www.parliament.gov.sy
الأربعاء, 4 أيلول, 2019


عصف فكري... د. نبيل طعمة

دعوة بسيطة أقدمها من على مائدة الفكر، نلتئم حولها، نتأمل بعضنا مما هو موجود على سطحها، بعد أن نزيل ذاك الحجاب المطبق على عقولنا، لأنه الخطر الذي يداهم أي عملية فكرية، ويقتل أي حوار، وهنا لا أناقش قضية حجاب الرأس الأنثوي الديني والذكوري، الذي يخص تنوع رجال الدين.

وما أطرح قد يبدو بسيطاً، وهو حقاً كذلك، إلا أن الصعوبة تكمن في أبسط الأشياء، والدلائل الصغيرة تشير إلى الدلائل الكبيرة، إن تمسكنا بها وذهبنا خلفها بحثاً وتقصياً.

ألا يشار إلى أن معظم النار من مستصغر الشرر؟ توقفنا التفاصيل التي ترينا قيمة وقوة أي عملية مركبة، فإما أن تعيدنا إلى المربع الأول، وإما تفتح لنا آفاقاً خلاقة أو هدامة، تنقلنا إلى رؤى مبهرة أو مظلمة.

 ما أنشده اليوم أدعه بين تلافيف فكركم مباشرة، أفكار موجودة في عقولكم وقلوبكم وتحت أنظاركم، ربما انشغالات الحياة تخطفكم فتبعدكم عنها، دعوني أعدكم إليها، وأبدأ من حيث أن الإنسان هو المخلوق الوحيد العمودي المتحرك أفقياً، اسألوا أنفسكم لماذا ومن أجل ماذا سمعه محيطي، وعيناه أفقيتان؟ أليس من أجل الالتقاء بالآخر، وبما هو موجود على كوكبنا?

 الحياة من نبات وجماد وحيوان، وإن باقي المخلوقات جميعها تتحرك أفقياً زاحفة كانت أم طائرة أم سابحة، وإن منتج الإنسان في سواده الأعظم أفقي يتشابه تماماً مع المخلوقات، وتتحرك منتجاته أيضاً أفقياً؛ طائرة، سيارة، سفينة، وغواصة...إلخ وأدواته العسكرية باستثناء المال والأبنية فلا يمكن للإنسان أن يجمع ماله أفقياً، أو أن يبقى بلا بناء.

الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يتصفح كما هو حال الأرض تحت والسماء فوقه، وأن ينام على سرير مسطح، ويتأمل السقف المسطح فوقه، وفي الوقت ذاته هو المخلوق الوحيد الذي يقدر على القيام بأفعال الحب بالعناق والضم والاحتواء وتبادل القبل، لأنه فريد في فعل هذا، وباقي المخلوقات لا تستطيع إلا أن تقفز على ظهور بعضها.

 هلّا تأملتم ذلك وتفكرتم في هذه الحقيقة؟ الحب فعل اتحاد بين المادي مع المادي، واللا مادي مع اللا مادي، والمادي مع اللا مادي، وما يهمني هو الإنسان بجزأيه وتفاعله مع بعضه، فالحب بين الذكر والأنثى ينجب حباً إبداعياً ونتاجاً خلاقاً مع الموجودات المحيطة به.

الجنس شهوة مؤقتة أو إفراغ للشهوة، هل وصلنا إلى مراتب الحب؟ أم مازلنا ندور في فراغات الشهوة التي تعتبر كل ما ننتجه حالات وظيفية خدمية لا إبداع فيها؟ وهي المسؤولة أولاً وأخيراً عن كل أنواع الفساد، الذي يبدأ بالدعارة الفكرية؛ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، والدعارة الجسدية والغش والكذب والخداع والمكر وضعف الجودة أياً كان نوعه.

أسألكم مَنْ أنجب الواحد، الاثنان أنجبا أم هو من أتى بهما؟ أليس كل ثنائية منجبة، أي معادلة تحتاج إلى طرفين، السماء تنزل القطرة على الأرض «العَرَصَة»، فينبت الواحد الذكر والواحد الأنثى، يلتقيان فيحدث الاستمرار، إنسان، نبات، أشجار، حيوان، ويتسلسل من خلال لقائهما، فتستمر الحياة، حيث من دون ذلك لا حياة.

 هلّا توقفتم عند علم الأعداد والأرقام، وبحثتم في معنى وجود مجموعة الخمس الكبار الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ووصلتم بعدها لمعرفة لماذا هم على هذه الشاكلة؟ فإذا أرادوا أن يضيفوا دولة يقولون الخمسة زائد واحد، لأن رقم خمسة يعني القبضة، فلا يمكن لأحد أن يقبض على شيء بست أصابع أو بأربع أصابع، والقبضة القوية تعني الخمسة، والستة رقم ضعيف، والرمز الروحي أن الإنسان خلق في اليوم السادس، أي إن فعل الجنس فعل ضعيف، والعقل البشري يستسلم للرغبة والشهوة والاحتياج.

أيضاً أخوض معكم في علم السبعة، وآخذ منه لماذا مجموعة السبعة الاقتصادية التي تضم أيضاً الكبار، والتي استمدت رؤيتها من عملية الخلق الكوني، الذي تمّ في سبعة أيام، وهي التي تحكم سيطرتها على الاقتصاد العالمي، وإذا أرادوا أن يسيطروا بشكل نهائي يضمّون دولة أخرى، ويقولون أيضاً مجموعة الثمانية أو السبعة زائد واحد، وهذا ما شهدناه أثناء انعقاد مجموعة السبعة الكبار في باريس، ودعوتهم لروسيا في الاجتماعات القادمة، حيث تصبح ثمانية، وثمانية تعني السيطرة، فإشارة قف أو (STOP) وهذه المفردة موجودة ضمن مثمن من أصغر الحارات على كوكبنا الحي، إلى أكبر الشوارع والطرقات الموجودة في البلدات، وبين المدن والبلدان، وتعني قف، فإن لم تقف فستقع في متاهات كبرى، والتسعة تعني الولادة عند بني البشر، والعشرة تعني الصفر الذي يولد الواحد؛ أي عود على بدء.

نستمع كثيراً إلى كلمة إلحاد وملحد، ومؤمن وكافر، ومزندق ومهرطق، وعلماني ووجودي وجدلي، في العلم لا وجود لكل هذه المسميات، لأنه يمتلك البحث من خلال النظرية أو المعادلة الكيميائية، أو الرياضيات والفيزياء، وفي النتيجة تكون لدية نتائج إيجابية يأخذ بها، أو سلبية يعيد البحث فيها وتكوينها من جديد، فكل تلك الكلمات لا وجود لها في العقل العلمي، إنما تمّ رسمها من العقل الديني المتشدد أولاً، والمنحصر ضمن مفاهيم ضيقة لا تستطيع أن تنظر إلى الآخر الذي وجد أيضاً بحكم المعادلة الإنسانية، فأسباب وجودنا هي إعمار الأرض، لأن الإنسان بمفرده قليل، ومعنى قليل أنه ومهما بلغ من قوة لا يمكن له أن يشيد أو ينجز أو يتكاثر، فضرورة الاعتقاد بوجود خالق يؤدي إلى توسعة في الحياة الأخلاقية، قبل أن تكون دينية، وإلى تعزيز الإيمان بالآخر والمحيط قبل الوصول إلى عملية التديّن، وإن إنكار عنايته ومسح وجوده عبر إلغاء فكرة الثواب والعقاب يأخذ بالبشرية إلى انتشار الفساد وإباحة الخطيئة في المسار والمسير، وبالتالي إلى ظهور خلل كبير في النظام الاجتماعي العالمي المنتظم بوجوده، وصحيح أن الفلسفة الأخلاقية سبقت الوجود الديني، الذي استقى منها الكثير، واعتمد أبعاداً مهمة من مذاهبها وأساطيرها، وأشركها ضمن مبادئه بعد وصوله إلى ما يحتاجه سواد البشرية، وفهمه ما تتعلق به، ويستهوي أفكارها، لأن الخاصة وخاصة الخاصة مدركتان تماماً لهذه العلاقة، وهي المسؤولة عن البحث العلمي ومقتضياته ومجريات الحياة، لترمي بين الفينة والأخرى مفاهيم أو أفكاراً تعلي من شأنها، ومن ثم تنهيها.

 هكذا تستمر الحياة، فالخطر من الإنسان على الإنسان، وثقافة الحب أقوى من ثقافة الخوف، لأن الحب يؤدي إلى الإبداع والتطور والإنتاج، والخوف يأخذ به إلى الضغينة والحذر والقتل والتدمير، فإذا آمنتم فعليكم الإيمان بالحب، أحبوا ما تؤمنون به، ولا تخافوا ينقذكم عند الشدائد، والخوف يرمي بكم إلى التهلكة.

ما الفرق بين القوة والضعف، والانضباط والانفلات، والقسوة واللين، والصحة والمرض، والنجاح والفشل، والإيمان والتديّن، والتكفير والتفكير؟ اعملوا العقل وتفكروا، هل تمنع الصلوات والأدعية الموت والقتل والحروب؟ وهل تنتشلنا من خطايانا؟ صحيح أنها مهمة، ووجودها ضرورة بغاية تهذيب النفس وإصلاح الذات ونشر الفعل الإنساني، هذه الغايات التي يعتبرها الكثرة ذاتية، وتفصل بينه وبين الآخر، فالإيمان موحد، والأديان مفرقة، في الوقت الذي ينبغي أن تكون جامعة، لأن الإنسان ومهما اختلف لونه أو شكله، فلون دمه واحد، وأعضاؤه المشغلة له متماثلة. أين نحن من كل هذه الأفكار على المائدة الفكرية؟ نطرح بعضاً من الأفكار، أرجو أن نتحاور حولها، وأن نتعلم لغة الحوار، وإن اختلفنا يجب ألا يكون هذا الاختلاف مدعاة للقطيعة؛ بل لإنتاج الأفضل والحوار المنطقي العاقل، كي نصل إلى ما نريد، عصف فكري آمل أن يكون قابلاً للنقاش.

د. نبيل طعمة