الدكتور نبيل طعمة يكتب : توطين الاستقرار
غدا أكثر من حاجة، بل إنه حق ينبغي تحقيقه بين المواطنين والدولة، وأؤكد هنا على المكونات الوطنية، دون استثناء أي منها، وأن على الجميع النزول مما تتربع عليه والجلوس إلى طاولة الحوار، واتخاذ القرارات الحاسمة والإقرار بها، إن اردنا النهوض بالوطن من جديد والتحرك لإحداث تنمية حقيقية في بلد تناهبته عدوانية محيطة بمشاركة بعض من مكوناته الوطنية التي أفرزت مؤيداً ومعارضاً ومنكفئاً ورمادياً ومستفيداً، وهذا ما أدى إلى غرز أسافين خطيرة زلزلت الواقع الاجتماعي وأخلّت بالأمن والاستقرار، في بلد متعدد الثقافات والديانات والمذاهب والطوائف والقبائل والعشائر، امتلك مجتمعه الأمية الوطنية، رغم تعلمه الذي لم يؤهله لإحداث التنمية والإبداع المنشود حضورهما بالتتابع، والذي يتابع حركة مجتمعنا يجده لاهثاً خلف فهم البناء الذاتي، همه حياته الشخصية، نراه شرهاً للاستغلال والانتقام، ومستعداً للفساد أو للإفساد، بدلاً من أن يكون اجتماعياً وطنياً مترفعاً، جريئاً ومقداماً وحريصاً على بناء وطنه.
النجاح الفردي ينبغي أن يتحول إلى مشروع وطني، والصبر لا يعني الانتظار، كما الذاكرة التي لا تفقد النسيان بل تركنه بعيداً للمقارنة أو لوقت المحاسبة، وهنا يظهر سؤال، أعتقد أنه من الأهمية بمكان طرحه هنا: هل وصلنا إلى مرحلة النضج الوطني؛ هذا الذي يدفع بالمرء للبحث عن الاستقرار الاجتماعي الذي يؤسس لحضور الارتقاء، وفي الوقت ذاته يهيّىء للاستقرار الأسروي الذي يذهب إلى الاستقرار المهني الإنتاجي والإبداعي، المرتبط ببيئة آمنة واضحة المعالم وجلية، وكي يصل إلى هذا يجب التخلص من مرحلة الانتظار التي حملت مراحل الصراع ومتطلباته، والتغلب على تحديات كل مرحلة، بعد استيعاب سلسلة الاحتياجات بغاية الوصول إلى عملية التوازن التي تعتبر نقطة الانطلاق إلى الأمام.
هل نحن في حيرة بين الاتجاه للبناء وتوطين الخبرات، التي يُنفَق عليها الكثير من المال؛ هذه التي تغادر، كالماس الخام، يتلقفها الآخر بقليل من الصقل والإغراء فتبني خارج وطنها، وبين الاعتماد على مفاهيم القنص والإغارة والغنائم والاكتفاء بدعاء الإله كي يساعدنا وهو القائل: "فقل اعملوا"، إلى متى سنبقى نحيا على التجارب؟ فكلما وصلنا إلى حدث نخوض غماره نجح أو فشل نقول عنه بأنه تجربة، إلى متى ننتظر الحلول؟ هل نحن غير قادرين على فهم حياتنا وتحليلها وفهم نظم تراتبيتها، كيف لا ندرك معادلة النمو السكاني والعمل والإنتاج وفنون التحضر والارتقاء، وإلى متى يجسد الصبر حالة الانتظار للحصول على نتائج التجارب وتقرير درجات النجاح أو الحاجة إلى التقويم، أليست الغاية من التقدم الفكري الوصول إلى المكانة المنشودة ودراسة مخرجاتها ومنجزاتها.
توطين الاستقرار يبدأ من الداخل، رغم الإيمان بمعوقات إحداثه من الخارج، ونجاحه يكون بالحوار وعلى طاولته التي يجب أن يلتئم خلفها أبناء كل الوطن، ومن خلالها ينبغي أن يحدث التنازل من الكل لمصلحة الوطن العليا.
توطين الاستقرار يحتاج إلى امتلاك الأفق الذي يشكل أكثر من ضرورة، وأهم انطلاقة إلى الأمام، وهذا يدعونا لقراءة دقيقة لواقع الأفراد والمجتمع والدولة، وحتى الأمة، وإذا لم تتوفر ظروفه فعلى الدولة ابتكاره، فكيف بنا نقنع أنفسنا قبل الآخر، أياً كان شكل وجوده، عدواً أم صديقاً، لأن الغاية والهدف هي السير إلى السلام لا البقاء بين حقول الألغام، فمشكلة الإنسان البحث عن سلامه الداخلي، فإذا لم يجده تعثر مسيره وتاه في أي مقاربة أو معادلة، وهذا ما يطلق عليه الفشل، وهنا أجزم بأن امتلاك الأفق يؤدي إلى توطين الاستقرار الذي يتوق إليه الفرد والمجتمع والدولة، كونه يجري كالدماء في العروق، الباحثة دائماً عن الاستكانة والهدوء، فالعقول بطبيعتها تحارب وتقاتل بهدف الوصول إلى السلام، وهنا تكمن كارثة الفكر البشري في صراعه الدائم مع الفكر الإنساني.
د. نبيل طعمة