د. أريسيان ضيفة جريدة البعث
ترى د. نورا أريسيان أن الشعر هو أكثر الترجمات صعوبة وخطورة، لأنه يفقد الكثير من جوهره، وتحلم بأن تخوض تجربة ترجمة الرواية التاريخية التي تلامس حقبة زمنية ممتدة إلى أجيال، وتطرح أفكاراً ورؤىً من الضروري نقلها إلى العربية، بعد أن ترجمت من اللغة الأرمنية إلى اللغة العربية الكثير من الكتب السياسية والتاريخية وبعض الكتب الأدبية، وكانت لها تجربة أيضاً بترجمة وإعداد كتاب موسيقي عن كوميداس، وهو الكتاب الأشهر كونه يوثق الذاكرة الشعبية للشعب الأرمني.
< للوقوف على تفاصيل تجربتها في الترجمة كان للبعث معها هذا الحوار فبدأنا من دور الترجمة في تبادل الثقافات بين الشعوب والتعريف بعوالمها الخاصة؟
<< الترجمة تسهم في نقل المعارف ونتاج الفكر العلمي والأدبي والثقافي بين الشعوب والحضارات وتبني واقعاً فكرياً جديداً لتطوير الحاضر والتخطيط للمستقبل. وكذلك تلعب دوراً كبيراً في نقل المعرفة إلى الآخر، والتعرف إلى تجاربه، مما يسهم في التنمية الوطنية، ولأن الترجمة تلبي حاجتنا إلى التطور وتغيير ما في حياتنا ومجتمعنا نجد أننا نرغب دائماً في قراءة الترجمات الحديثة، خاصة لشعوب لم نتعرف إليها أو إلى ثقافتها.
< من خلال تجربتك مع الترجمة من اللغة الأرمنية إلى اللغة العربية هل تجدين صعوبة بإيجاد مفردات عربية تقابلها؟.
<< أهم عنصر في الترجمة هو إتقان لغتي المصدر والهدف والإلمام بالثقافتين معاً، لذلك لا أجد صعوبة في إيجاد المرادفات، وإن كانت اللغة الأرمنية تحتم مصطلحات ومفردات غير واردة في اللغة العربية، والعكس صحيح أيضا. لكن هناك صعوبة تكمن في تركيبة اللغتين، والميزات الخاصة من الناحية اللغوية والنحوية. فالجملة في اللغة العربية تختلف أركانها عن اللغة الأرمنية ، حيث لايمكن بدء الجملة في اللغة الأرمنية بالفعل، في حين الجملة الفعلية في العربية تبدأ بالفعل حصراً..
< كيف تنقلين الفكرة بأسلوبك من الأرمنية إلى العربية ومامدى حجم المساحة التي يتصرف بها المترجم ؟.
<< أحاول دائماً أن أكون أمينة، وأحافظ على روح النص، وأنا أؤمن بأن على المترجم أن يعيد إنتاج كل واقعة وفكرة من أصلها، حتى لو كانت غير مقنعة في اللغة الهدف، فمن واجب المترجم تقريب الرؤى والاختلافات بين اللغات من خلال ترجمته وتوضيحاته، لكن ضمن إطار النص، ودون تحريف أو الخروج عن المعنى أو عن فكرة المؤلف والنص، فعلى سبيل المثال، هناك مفردات في اللغة الأرمنية تصبح غير مفهومة باللغة العربية حين تنقل وتترجم حرفياً. لذلك أجد أنه من الضروري أحياناً إدراج التوضيحات وفق نظريات الترجمة المعمول بها، مع إيماني الكامل بأن عملية الترجمة تحمل عنصر الإبداع.
< كانت لك تجربة بالترجمة الموسيقية والأدبية أين وجدت مساحة من الحرية بالتعبير أكثر؟.
<< كان الهدف إيصال رسالة معينة من خلال شخصية كوميداس ونقل تاريخه في الموسيقا الأرمنية، ووجدت أنه من واجبي نقل هذا التراث إلى القارئ العربي. إلا أنني أجد أن الترجمة الأدبية هامة أيضاً، وتحمل مساحة أوسع من حيث اختيار النصوص أو المذاهب الأدبية الخاصة بالأدب الأرمني.
< فعاليات إحياء ذكرى الإبادة ساعدت على التواصل مع الثقافة الأرمنية فغدا التقارب أكبر، ماهي رؤيتك لمزيد من التقارب من خلال الترجمة؟.
<< عملية الترجمة أهم عنصر في تقارب الثقافات والشعوب. وأنا لمست ذلك حين ترجمت كتاب (ضريبة اللباقة) لهاكوب بارونيان رائد الأدب الأرمني الساخر، وأحد وجوه الأدب الكلاسيكي في السبعينيات والثمانينيات من القرن التاسع عشر، وهي مجموعة قصص مسرحية ساخرة تتناول الهجاء السياسي والاجتماعي والتفاوت الطبقي، هذا على الصعيد الأدبي، أما على الصعيد التاريخي، كان لابد من ترجمة كتب تسلط الضوء على القضية الأرمنية، مثل كتاب (الإبادة الأرمنية اعتراف العالم علناً)، و(يوميات كاراباخ، أخضر وأسود). وأعتقد أن الكتب التاريخية والفكرية تستحق أن تأخذ مساحة أكبر في الترجمة أيضاً من أجل الاطلاع على تجارب شعوب أخرى والاستفادة منها، وكذلك فضح السياسات وكشف الحقائق، وما يجذبني هو الرواية التاريخية التي تلامس حقبة زمنية طويلة، وتطرح أفكاراً ورؤى من المهم نقلها إلى العربية، من بين هؤلاء سيلفا كابوديكيان. بالإضافة إلى رغبتي في ترجمة الكتب التاريخية التي توضح حقائق تاريخية خاصة بالشعب الأرمني غير متوفرة في لغات أخرى. على سبيل المثال، يعتبر رافي أهم روائي أرمني في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن التاسع عشر، وقد شكّل الشخصية المركزية في الأدب الأرمني في تلك الحقبة. وكان ينطلق في رواياته من مبدأ الوحدة الوطنية، وقد جلبت له الشهرة والشعبية . وتكمن القيمة الإبداعية لرافي في هذه الفترة بأنه أدان سياسة الإفناء التي اتبعها السلطان ضد الأرمن. ولابد أن أشير إلى أن الشعر الأرمني أيضاً له خاصيته لدى الكثيرين، وتستهويني أشعار هوفهانيس شيراز التي تبوأت مكانة رفيعة في الأدب الأرمني، لكن لنعترف بأن ترجمة الشعر هو أكثر الترجمات صعوبة وخطورة، لأنها في الحقيقة تفقده الكثير من جوهره.
< من خلال علاقتك بالسفارة الأرمنية، هل هناك فكرة بإقامة أيام السينما الأرمنية لاسيما بعد إطلاق الفيلم الأضخم عن الإبادة “الوعد”؟.
<< أقيمت سابقاً العديد من المهرجانات السينمائية الأرمنية في سورية ولاقت نجاحاً كبيراً، وكانت الأفلام مترجمة إلى العربية. وأعتقد أنه من الضروري تفعيل هذه المهرجانات الدولية التي تفسح المجال للاطلاع على النتاج السينمائي في أرمينيا وخارجها. فيما يخص فيلم (الوعد) الذي عُرض في دمشق وحلب، ولبنان ومصر، وغيرها من البلاد،ويحكي قصة إبادة الأرمن التي ارتكبها الأتراك، وقد تم توظيف الدراما السينمائية للفيلم في نقل واقع تاريخي من خلال قصة حب ضمن قالب اجتماعي. وقد أثار الفيلم موجة من الجدل حول إبادة الأرمن، حيث مارست تركيا ضغوطاً لعدم عرض الفيلم في بعض العواصم. طبعاً من الهام عرض الأفلام مترجمة إلى اللغة العربية، ومن المتوقع أن نترجم الأفلام المنتجة حديثاً في أرمينيا إلى اللغة العربية، ومن ثمّ لعرضها في نشاطات وفعاليات.
جسور الثقافية
< من خلال عملك بهيئة التحرير بمجلة جسور طالبت السيد وزير الثقافة بمضاعفة أجور المترجمين ما هي الخطة لتفعيل الترجمة؟.
<< تعد مجلة جسور الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة منبراً ثقافياً يمنح المترجمين العرب مساحة واسعة لنشر نتاجهم، وأعتقد أنها ستكون جسراً حقيقياً في حركة الترجمة، لاسيما أنها تطمح لتقديم الأبحاث والدراسات في قضايا الترجمة والترجمات الحديثة من لغات عديدة.وبرأيي الترجمة عامل أساسي من عوامل النهضة، وهي إحدى الوسائل الهامة في تحقيق التنمية، ومن هذا المنطلق أجد أن المترجم يجب أن يأخذ حقه المعنوي والمادي لكي نستفيد من خبرته ونتاجه. ولذلك طالبت برفع أجور الترجمة والكتابة لكي تتماشى مع الوضع العام أسوة بأجور المهن الأخرى، والأهم لكي نحافظ على الإمكانات المتوفرة في البلد والتقليل من هجرة العقول والأقلام إلى الخارج.
الترجمة الفورية
< وماذا تحدثينا عن تجربتك في الترجمة الفورية من خلال عملك بالسفارة الأرمنية؟
<< الترجمة سواء أكانت في الترجمة الفورية أم الكتابة الرسمية من رسائل واتفاقيات تلعب دوراً هاماً في تعزيز العلاقات بين الدول. ولا شك بأن الترجمة الفورية تختلف عن الترجمة التحريرية، ولها ميزاتها وهي أصعب بكثير لأنها تتطلب مهارات أخرى، مثل السرعة والإصغاء والفهم وعدم إمكانية التدوين وغيرها. لكن أحمد الله على نجاحي في هذه التجربة، وأجزم بأن التدريب والاجتهاد هو مفتاح الترجمة الفورية.