www.parliament.gov.sy
الأربعاء, 26 أيلول, 2018


عمر أوسي ضيف الوطن

يتزامن موعد انعقاد الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، مع مضي عام على أول إعلان سوري رسمي بخصوص الملف الكردي رحب بالتفاوض مع الكرد، لكن هذا الملف شهد منذ ذلك الحين مداخلات كثيرة مرتبطة بتطورات الأزمة السورية، آخرها «اتفاق إدلب».
ففي 25 أيلول العام الماضي أطلق نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم من نيويورك على هامش اجتماعات الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة تعليقاً على قضية الكرد في سورية حيث قال: «إنهم في سورية يريدون شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية في إطار حدود الجمهورية، وهذا أمر قابل للتفاوض والحوار».
ولاقى تصريح المعلم ترحيباً من مختلف القوى الكردية ووصل الأمر حينها بعضو مجلس الشعب ورئيس المبادرة الوطنية الكردية عمر أوسي للقول في تصريح لـ«الوطن»: إن تصريحات المعلم «أنصفت أبناء الشريحة السورية الكردية».
وبعد مرور 8 أشهر لم يعلن عن أي تحرك، حتى أعاد الرئيس بشار الأسد المناطق الشرقية إلى واجهة الحدث بتأكيده في حزيران الماضي أن مناطق سيطرة «قوات سورية الديمقراطية – قسد» ستعود بالحوار أو عسكرياً.
بعدها استضافت دمشق في أواخر تموز أول جولة نقاش بين «مجلس سورية الديمقراطي – مسد» والحكومة، حيث تم الاتفاق بحضور الرئيسة المشتركة لـ«مسد» إلهام أحمد في الوفد الكردي على تشكيل لجان تفاوضية على مختلف المستويات بين الطرفين دون إعلان أي تفصيل آخر، في حين لم تعلن دمشق رسمياً عن اللقاء.
وفي بداية آب استضافت دمشق لقاء آخر مع وفد من «مسد»، تم خلاله مناقشة «مفهوم الإدارة المحلية وإمكانية المشاركة فيها والنظرة المستقبلية لمفهوم اللامركزية» بحسب ما أعلن حينها الرئيس المشترك لـ«مسد» رياض درار.
ومن جديد أعرب أوسي لـ«الوطن»، عن «تمنيه» أن تستمر هذه اللقاءات والحوارات بين «مسد» والشريحة الكردية وممثلي الحكومة، وأكد أن الاجتماع الأول كانت أجواؤه «إيجابية جداً»، لكنه يشير ضمنياً إلى «تبادل رسائل»، بين الحكومة وبين «أطراف كردية تتعاون مع أميركا» في «مسد» و«قسد»، وتمنى أن تترجم هذه الرسائل لاستمرار الحوار الوطني في سورية «ونحن سوريون قبل أن نكون أكراداً» بحسب قوله.
ورغم اللقاءين، إلا أن «قسد» حصلت بعدهما على أكثر من 1800 شاحنة من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة وقال أوسي: إن أميركا ستنسحب من شرق الفرات وقد يكون ذلك قريباً جداً»، ورأى أن المشروع الأميركي في سورية هدفه، أمن «إسرائيل» أولاً، وما يسمى من وجهة نظر أميركا «الوجود الإيراني في سورية» ثانياً، والأخيرة لم تخفها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتواصل التأكيد عليها رابطة بين احتلالها لسورية و«الوجود الإيراني» رغم أن هذا الأخير شرعي وبدعوة من دمشق.
لكن أوسي تمنى «على الأخوة الكرد ألا يراهنوا على المشروع الأميركي في المنطقة وفي سورية»، وشدد على أن «الممر الوحيد بالنسبة للأكراد هو في الحوار في عاصمتهم الوطنية دمشق»، لأن أميركا «لا تمتلك أي أجندة للأكراد السوريين، وإنما تبحث عن الشركاء لتحرير- بين قوسين – بعض الجغرافيات في شمال شرق سورية وتحديداً في شرق الفرات لتستثمره في المؤتمرات القادمة بشأن مستقبل سورية ضد ما يسمى من وجهة النظر الأميركية «المشروع الروسي في سورية».
ويبدو أن صورة الخلاف الأميركي التركي حول سورية وتحديداً الملف الكردي ليست جلية، فواشنطن تريد «بيع» الأكراد لرئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان كما رأى أوسي الذي قال: ستبيعنا واشنطن نحن الأكراد للتركي، لأن تركيا لن تتخلى ولن تغادر حظيرة الناتو».
واعتبر، أن خلافات تركيا وأميركا «ليست عميقة» إنما هي «خلافات تكتيكية وأردوغان يبتز أميركا والروس من خلال اللعب على الحبال مع الدول الضامنة (معه في مسار أستانا روسيا وإيران) تارةً، ومع المشروع الأطلسي تارة أخرى.
ويبدو الشارع الكردي منقسماً في موقفه من واشنطن، ففي تصريحات سابقة لـ«الوطن» رد درار على سؤال حول الثقة بالجانب الأميركي بعدما خذلت واشنطن حلفاءها في جنوب البلاد بالقول: إن العلاقة بين «مسد» و«التحالف» ما زالت طيبة، لكنه اعتبر أن المسألة ليست فقط ثقة بالوعود والعهود التي تجري».
وتبدو نظرة أوسي أقرب للواقع مع وجود تفاهمات تركية أميركية في الشمال مؤطرة في اتفاق «خريطة طريق حول منبج» ولا ينفك الجانبان من تأكيد حفاظهما على هذا الاتفاق.
ورغم إبداء المعلم استعداداً للتفاوض حول شكل من أشكال «الإدارة الذاتية» لا يبدو أن هذا المطلب شهد أي تقدم في التفاوض، لاسيما في ظل التوتر الذي شاب انتخابات الإدارة المحلية التي جرت في 16 الجاري واعتقال «قسد» للمرشحين في مناطق سيطرتها.
وقال أوسي: «طلباتنا ككرد سوريين مشروعة، وكلها تحل في الإطار الوطني السوري ضمن الدستور العتيد القادم كمنح بعض الصلاحيات في إطار الإدارة المحلية والاعتراف بالهوية والثقافة واللغة الكردية كلغة وطنية سورية».
لكن الكرد في الشمال يشتركون مع دمشق بنظرة الريبة من مساعي المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا وجهوده لتشكيل لجنة مناقشة الدستور الحالي، ومنذ أيام قالت عضو المجلس الرئاسي في «مسد» إلهام عمر: إن «الدستور الذي لا يكتبه السوريون لا يمثلهم، لذا لا نعترف بها (اللجنة) كقوى موجودة فعلياً على الأرض»، وانتقدت ما سمته « تجاهل الطرف الحقيقي الموجود على الأرض «قسد»».
ورغم أن «اتفاق إدلب» الذي أعلن الإثنين قبل الماضي يتعلق بمنطقة لا يتواجد فيها الكرد، لكن أوسي اعتبره موجهاً «ضد الكرد»، وأضاف: «لطالما كان المشروع الطوراني العثماني كبيراً في سورية، (ويتمثل بـ) احتلال حلب والمنطقة الشمالية وضمها إلى تركيا وفق نموذجي قبرص ولواء اسكندرون.
وأضاف: قد يكون للاتفاق جوانب إيجابية وأخرى سلبية وأنا على الصعيد الشخصي لست معه، لأنه يشرعن التواجد التركي في جزء من الجغرافيا السورية.
وأكد أوسي، أن المنطقة العازلة (التي نص عليها اتفاق إدلب) تقام بين الدول التي بينها حروب وليس ضمن الوطن الواحد ولا يحق لتركيا أن تتشبث بالتمسك بجغرافية إدلب وجرابلس وأعزاز والراعي.
وشكك أوسي بنجاح الاتفاق بالقول: لو تستطيع تركيا لجم كل المجموعات الإرهابية وفرض رأيها عليها قد تتحرر بعض المجموعات من هذا الشيء وستجبر تركيا على الانخراط بعمل عسكري مع الروس والدول الضامنة ضمن هذا الاتفاق.
ورأى، أن المشروع التركي «خطير» ويهدف لجعل سورية ساحة لتنظيم «الإخوان المسلمين»، لكنه أكد أن «أحلام تركيا تبددت بعد أن خسرت هذه الحرب، وبدأت تفكر بكيفية ارتدادات دعمها للإرهاب عليها وتحاول منع هذا الارتداد عن الداخل التركي».
ورغم انتقاده لـ«اتفاق إدلب»، إلا أن أوسي أشار إلى وجود «نقاط في اتفاق إدلب ليست لصالح تركيا، والمنطقة العازلة ستصبح منطقة نفوذ سورية شيئاً فشيئاً إلى حين اتفاق الدول الضامنة في جولات أستانا القادمة».
ويتقاطع رأي أوسي مع ما قاله مصدر دبلوماسي أجنبي في سورية مطلع على الاتفاق لـ«الوطن»: إن «اتفاق إدلب» مؤطر بمواعيد زمنية وستلحقه إجراءات واتفاقات لاحقة بعد التزام تركيا فيه، على أن تعود إدلب في النهاية إلى الدولة السورية».
وفي ظل هذا التجاذب يبدو أن الملف الكردي تعقد أكثر «وقد لا يشهد انفراجة قريبة» بحسب المصدر الدبلوماسي، ولاسيما أن ما يسمى «الإدارة الذاتية» أقامت العديد من الهياكل والتنظيمات في شمال شرق البلاد في محاولة لترسيخ نوع من الفيدرالية أو حتى بديلاً عن الدولة.