مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

لماذا «الملف الفلسطيني» الآن.. و«السعودية» عرّابٌ له؟خالد العبود

الأربعاء, 8 حزيران, 2016


لا يمكن لهذا الصراع الكبير الذي حصل على مستوى المنطقة أن يؤدي أخيراً إلى مشهد طبيعي أو عادي ضامن لخريطة إقليمية ودولية سادت عقوداً سابقة، وإنما سوف يدفع باتجاه مشهد آخر مختلف تماماً عما حكم المنطقة وجزءاً من العالم، كل تلك العقود التي أسس لها كلّ من «سايكس بيكو»، لكون أهداف العدوان كانت ترمي إلى تجاوز ناظم استقرار المنطقة، أو دعونا نقل: «استقرارها القلق».
«الاستقرار القلق» للمنطقة كان ناتج قواعد اشتباك محدّدة، قواعد الاشتباك كانت تحدّدها طبيعة مصالح كبرى، إقليمية ودولية، ساهمت فيها تحولات دولية وتاريخية، ومحطات عالمية وإقليمية كبيرة، لكن هذا «الاستقرار القلق» كان يرسم خرائط متعدّدة لطبيعة توضع القوى المتواجهة على مستوى المنطقة وطاقاتها، وهو الأمر الذي لم يكن حاسماً لناتج المواجهة والصراع، ومن ثم كان مطلوباً أن يتم تجاوز هذا «الاستقرار» باتجاه «استقرار» آخر يتناسب مع طبيعة حسم المواجهة والصراع، وهو ما تمّت الإشارة إليه، في أكثر من محطة وأكثر من لحظة تاريخية، على أن المنطقة كان يعاد إنتاجها من جديد، وفق خريطة جديدة تتجاوز الخريطة السابقة لها.
لم ينتبه كثيرون إلى أن العدوان الذي ذهبت إليه قوى دولية وإقليمية أضحت معروفة جيّداً، تقودها الولايات المتحدة، كانت تريد أن تأخذ المنطقة إلى خريطة جديدة لتأمين مصالحها بشكل أفضل، لم ينتبهوا في الآن ذاته إلى أنه لا يمكن للمنطقة أن تبقى على ما كانت عليه لو أن هذا العدوان سقط، أو أخفق في تأمين تلك الأهداف التي أراد أن يذهب إليها.
وهو المعنى الحقيقي لسيناريو الخروج من الصراع والمواجهة التي تحدّد معالم اللحظة، فأطراف قوى العدوان تحاول جميعها اليوم الرجوع إلى المشهد السابق لما قبل العدوان، غير أنها تفشل في تأمين منصات سياسية قادرة على العودة بها إلى اللحظة السابقة.
الإدارة الأميركية لم يعد لديها إمكانية الالتفاف من دون خسائر كبيرة، يحكم هذه الخسائر ناتج الصراع الكبير على الملف «النووي الإيراني»، وهو رئيسي في مشهد تحديد طبيعة الصراع ونتائجه، إضافة إلى كون أن هذه الإدارة لم تستطع أن تؤمّن فضاء تكتيكياً ضامناً لها إمكانية الفعل والتأثير الأكبر على مستوى المنطقة، في ظل توفير منصات فعل كبيرة جدّا، تأمّنت للروسي وحلفائه، ومن ثمّ فإن القدرة على الحفاظ على مشهد كان يحدّد طبيعة توزّع القوى سابقاً لم يعد موجوداً أو حاضراً، أو يمكن أن يؤمّن وفق المشهد الصاعد الجديد.
في ظل هذا الصاعد، هناك قوى إقليمية ساهمت أو استعملت في سياق العدوان الأميركي ذاته، وهي التي عوّلت على إمكانية أن تكون محمولة أو حاملة لتغييرات إقليمية، تضمن لها موقعاً متقدماً في خريطة القوى الحاكمة، بعد نجاحها في تأمين خرائط ناتج صراع ومواجهة تتجاوز الخرائط السابقة، ومنها النظام التركي وكيان الاحتلال الصهيوني، إضافة إلى مكونات «مجلس التعاون الخليجي»، باعتبارها قوى كانت تعوّل على إمكانية نجاح الأميركي، في إعادة إنتاج خريطة المنطقة.
لم تنجح الإدارة الأميركية إلى جانب حلفائها بسحب المنطقة باتجاه عامل استقرار جديد، يضمن شكل وجودها الصاعد، الذي يؤمّن لها إمكانية الهيمنة المطلقة على المنطقة، وهو ما ارتد عكساً وبشكل مباشر على القوى التي ساهمت أو استعملت في هذا العدوان، وهو ما أشرنا إليه آنفا، الأمر الذي دفع دولة مثل «مملكة آل سعود» إلى العمل والضغط على العودة إلى قواعد ضامنة لمشهد وخريطة قوى سابقة تضمن لها حضورها ووجودها، وتحميها من إمكانية النزول الكبير، في ظل الفشل الذريع الذي لحق بالولايات المتحدة.
إن الإدارة الأميركية إضافة إلى دول أوروبية أخرى قادرة على استعمال طاقاتها الإضافية في الالتفاف على بعض العناوين التي عملت عليها، وخاصة أنها دول تمتلك إمكانيات كبيرة تمكنها من المناورة والاشتغال على قواسم مشتركة في ناتج الصراع، إضافة إلى كونها من تدير الصراع، ومن ثم فهي قادرة على الاستثمار فيه، ما يمنحها إمكانية الحفاظ على حدّ معين لمصالحها، في ظل خريطة منطقة صاعدة جديدة يدفع باتجاهها ناتج الصراع.
إن هذه الخريطة التي يتم تجاوزها دفعت «مملكة آل سعود» للاستثمار في مشهد الصراع، أملاً في الإبقاء على المنطقة محكومة بخريطة سابقة، تضمن لها بقاءها ودورها وحضورها، فحاولت الاستثمار في الملف السوري، ثم اليمني، كما حاولت أن تؤدي دوراً جديداً يمنحها قدرة إضافية على ترسيخ خريطة المنطقة، فوقفت إلى جانب مصر، ثم إلى جانب تركيا، علماً أنها تجاوزت علاقتها التاريخية مع «الإخوان المسلمين» في مصر، إضافة إلى تجاوزها للصراع التاريخي بينها وبين عاصمة «الخلافة العثمانية»، كل ذلك لم يكن فقط في مواجهة إيران، وإنما في الدفع باتجاه الإبقاء على خريطة المنطقة السابقة.
لم تفلح «مملكة آل سعود» بذلك، فقد كان المشهد يذهب باتجاه عناوين أخرى، فما كان منها إلا أن تندفع باتجاه الملف الفلسطيني، كي تستثمر فيه، أملا منها في أنّه العنوان الأهم الذي يمكن أن يعيد المنطقة إلى قواعد اشتباكها السابقة، وهي القواعد الضامنة لبقاء الخريطة الإقليمية والدولية، وعودة المنطقة إلى حالة «الاستقرار القلق» الحاكم لمرحلة ما قبل العدوان عليها.
من هنا يمكن فهم الاستثمار «السعودي» في «الملف الفلسطيني»، على أنه استثمار للإبقاء على مفردات الخريطة السابقة للعدوان، وليس دفعاً باتجاه «حلّ للقضيّة الفلسطينية»، أو تحريك لها يضعها في عين الأحداث، للاستفادة فلسطينيّاً من تحولات دولية وإقليمية.



عدد المشاهدات: 3615

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى