مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

حيواتٌ وحيتاند. نبيل طعمة

السبت, 24 أيلول, 2016


كفاح دائم، يسكن بين المرئي واللامرئي، يتابعها الظاهر والباطن، تتحرك من اليسار إلى اليمين، تتراجع وتتقدم ضمن عملية الكرِّ والفرِّ، كما هو حال الحرب التي تقع بين السلام والسلام محدثةً الدمار بعد الإعمار، والغاية العودة للدورة الحياتية الحاملة للخيانة والاعتراف، فتذهب بالإنسان إما إلى أصفاد العبودية، وإما إلى مسارب الحرية والانعتاق، هو كذلك كالسرِّ بين اثنين لا ثالث لهما، فإذا فقد وجوده شاع وضاع بين العروبة والإسلام، بين العرب والغرب، بين الحوار والفرض، بين الضمير وعدمه، بين الديمقراطية والديكتاتورية، بين الذكورة والأنوثة.
لذلك كانت غايته إعمار الأرض وبناء الإنسان ضمن مطحنتها الكبرى، يمنحنا إياها قوة سياج الحبِّ الذي يدعونا للتعلق الدائم بها، وحينما نتألم طبعاً في حاضرنا المعيش من مجريات ما يحدث، حيث تشير إلى أنَّ هناك من يحاول قتلها، أو إضعاف وجودها؛ أي قتلنا وإنهاء وجودنا، حيث يكون لزاماً علينا اللجوء إلى الكفاح بغاية حمايتها وحمايتنا، ومنه أجدني معكم أتجه أيها الأحبة الأعزاء، أبناء وطني وجلدتي لاستقبال الصباحات المشرقة المقدمة منها كهدايا لجميعنا، تدعونا إلى وحدة نوعية نتطلع من خلالها عليها، فنجد أن الحياة كفاح، ولو أنها مضت بالناس هادئة رتيبة، وأضفت عليهم جميعاً هباتها المألوفة، لتغيرت معالمها، وانطبعت مصائرنا نحن  الأحياء بالتشابه والتقارب، ولما كان لها معنى، لكنها حين تمنح هنا، وتأخذ هناك، وعندما تقدم للبعض الراحة والأمان والحب، تضع في طريق الآخرين الحواجز والصعاب نستعذبها، هكذا هو منطقها الذي تجري عليه كي تحقق غايتها، وعلى صخور هذا الصراع الأزلي الدائم بين الحياة والإنسان، يذهب الكثيرون حطاماً، وتبقى الحياة شامخةً، تعلن انتصارها على الإنسان، طبعاً هي قادمة من نظرية الإله الذي شاء أن يكون الصراع بين الخير والشر؛ أي بين الإنسان والإنسان، ولو شاءت إرادته أن يكون الكل خيراً لكان الجميع ملائكة، وفقد تعريفه، أو من يبحث عنه، أو يُعرفه، بغاية فهم واستيعاب قدرته، ولو أنه خلق الكل شراً لدمَّر بعضه، ولزال من الوجود وجوده بزوالهم، فلم يشأ لهم هذا بالمطلق، ولا ذاك بالكليّة، ليعرف بعد ذلك الإنسان، أن الإنسان لم يوجد على هذه الأرض ليسعد أو يحزن، وإنما ليحيا أميناً على نفسه، ومن خلال هذه الأمانة، ليحقق بحياته جلائل الأعمال، وليعرف أنه يخط مصيره بأفعاله، والرقيب هو القدر، لذلك نجد أنَّ فقد الإنسان لحب الحياة يتجه به إما إلى التديُّن، وإما إلى الحرب ضمن الحياة التي تسكنها طبيعة الأشياء المختلفة، ولولا اختلافها فما كان لها أن تمتلك كل هذا الإلهام، فالبحر والسهول، والجبال والحرب، والسلم والنور، والظلال والليل، والضياء وحيوات الأجناس، وبشكل خاص الذكور والإناث، نجد فيها الإيحاء المستمر والتقوّلات والتقلبات والتذوق وتضاده، والبحث في الخلود والبقاء والموت والفناء.
نحوم حول الحياة ونخترقها، كما الفراشات تحوم حول الشموع مغامرات ومبارزات وشجارات رخيصة وباهظة، حبّ وكره، رعيّة ورعاة، جيوش من البسطاء والفقراء، وحفنة من القادة الأذكياء والخبثاء والأغنياء الشرفاء والأشرار والوطنيين الأحرار، وسلاسل من العبيد يقودهم طغاة وأتقياء، هي هكذا الحياة، حيوات وحيّات وحيتان، خراف وطيور وغزلان، لنجد أن المبارزة الحياتية قائمة في كل شيء، ومع أي شيء، تقع بين النجاح والفشل، والعمل والأمل، بين الله والشيطان، وما بينهما الإنسان، هل يذهب إلى الكفر أم إلى الإيمان؟ إنها معجزة وجودنا وعبقرية الكليّ، أرادها أن يكون الحبّ لها، وحبها فيه العنف والشغب والفوضى والمجون والترف والفقر والغنى والسعادة والتعاسة، كلٌّ يحب منها مفردة من مفرداتها، يتمسك بها إلى أن ينتصر عليه أحدهما، يتغير إلى حبٍّ آخر، والكل تتملكه نشوة هائلة نتاج شعوره بأنه يحيا، وأنّ أجواءه هذه هي ما يحب، لتغمره بالغبطة ومتابعة مسيرته فيها، حتى الآلام المبرحة يتحملها إنسان الحياة لحظة أن يشعر أن التطور حاصل، وأن التغيير نحو الأفضل واقعي، لأن فعل الكفاح حالة مشهودة لا خيال فيها، ووقعه كنهج حياتي يشير إلى أن الحياة قائمة ومستمرة.
الكفاح أيها الأحبة عزيمة وإصرار، صمود مع المسير إلى الأمام، غايته الرئيسة الوصول إلى الأهداف، وبما أننا نحيا في زمن التناقضات الصارخة، بين الحق والباطل، بين الغنى والفقر، نجد أن تفعيل منظومة الكفاح من أجل الحياة غدا ضرورةً، ليس فقط في الحياة الاجتماعية، إنما أيضاً من أجل الإصلاح ومناهضة الظلم والتخلف وكل أشكال الاستعمار، فإذا تحول هذا الفعل إلى ثقافة، فإنه يرسم الابتسامات على الوجه الذي تتجاوز به الأحزان، وتقوي الشعور، وتغذي روح الطموح وحبَّ الحياة. إذاً.. لماذا يذكي الإنسان منا الفتنة داخله، يبنيها عليه؟ لمَ ينزل العذابات الغليظة على ذاته، وعلى غيره؟ لماذا يمتشق سيفه العاصف المتأجج المرهوب في وجه الآخر؟ أين موطن الحياة؟ أليس جسد الإنسان، لأن الأرض موطنه النهائي؟ كيف نضع علامات الحق وعلامات الباطل؟ كيف بنا نفرزهما عن بعضهما؟ هذا يقودنا إلى أن الحياة موزعة بين مريديها الذين كوّنوا من حضورهم فيها شعوباً وقبائل، أمماً ودولاً، وغدا الكل منها حاكماً ومحكوماً، وكل شعب أو دولة يحكمه الحاكم الذي يستحقه، فإن كان شعبنا يحب الحياة، ويعشق الحرية، ويقدس الواجبات، وهو كذلك كان عليه حاكم بتلك المواصفات الوطنية وهو موجود على رأس هرمه ، وإذا كان الشعب جاهلاً يركن إلى العبودية، وينساق للفوضى، ويستسلم للذل، كان حاكمه على شاكلته، والوطنيون لا يؤمنون بذلك، وكما تتحدث الحكمة، أنه ما دام هناك مجتمع يعتنق فلسفة القطيع، فلا بدَّ أن تسطو عليه الذئاب.
الحياة لا تقبل الأقنعة المزيّفة، لأنها مجردة، نحن من نلتف بالأوشحة، ونمتطي جيادها، ونضربها، أو نخترقها متعدين عليها بقوانا المادية والروحية، معتبرين إياها أنشطة اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية، وجميعها أفعال بشرية، وهنا علينا أن نفرق بين النشاط البشري والكفاح الإنساني؛ فالأول هدفه ابتلاع الحياة. والثاني همه وجودها وتطويرها من خلال إيمانه بالمجموع، حيث يسعى به للتغلب على أنا الفرد، بينما الأول يستخدم أناه للتغلب على المجموع، وهذا ما يمنحنا فرصة مقاومة الاحتكار والإيمان بعنواننا.
 
عضو مجلس الشعب

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 3619

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى