مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

تحالف الظلام.د. نبيل طعمة

الأربعاء, 19 تشرين الأول, 2016


لا جديد يذكر، ولا قديم يعاد، الواقع يرسم الأبعاد بعد أن بعثرها الضوء، وأخفاها الظلام، الذي منه نسأل هل نقدر على تفكيكه؟ أليست المحاولة ابنة النجاح؟ أجل عملنا كثيراً، وفقدنا الكثير من طاقاتنا، ولكن تدعونا الحاجة الآن لضمان سلامة المتبقين مع ضرورات عدم التوقف، فلم يعد لدى جميعنا بدايات في عالم اليوم، لأن الجميع انتهى من صناعتها، والكل ذاهبٌ إلى حواف النهايات، أو ينتظر حدوثها، الاجتماعات الأممية، المحادثات المحلية، الأفكار وحدها تتوالد وتأخذ اتجاهاً واحداً، ألا وهو البحث عن الكيفية التي تبقي كوكبنا حياً، أو تطيل في عمره ولو قليلاً، والكل أدرك بقوة حتمية الذهاب للقوى الحية، وترك الماديات تنهار بعد انتهاء عمرها الفني وندرة الأقلية التي تدرك أن إنجاز السلام مكلف جداً، لأنه يستنفد القوى الحية من النخب القادرة على فعل ذلك، أما المتحركة بلا فاعلية فإنها تؤمن بالتظاهر والخداع اللذين يتحالفان دائماً ضمن اللغة التي غدت مائعة ومانعة لإحداث أي تقدم يأخذ بها إلى السلام، هل يمكننا ألا نيئس بعد أن نكتشف حقيقة اليأس وقيمة الأمل وقوة ما ينتجه العمل، فالحكمة لا تسأل إلا ذاتها، والحكيم يقول كلمته ويمضي، تشعُّ الحكمة في عالم الظلام، فمن يأخذ بها؟ كل كائن لديه قدر يحكمه ويحتكم إليه في حالك الظلمات، يبحث معه عن سبل التوفيق بين القوة والحق وإمكانية إسكانهما في صيغة الضوء، بدلاً من تعزيز وجودهما في الظلمة التي تلغي الحرية، وتحيل الإنسان إلى عبد لأشيائه، تدخله في حالة سبات عقلي، أطلق عليها عملية تنمية الأشياء الفردية في الظلمة، فطبيعة الإنسان نسجت في الظلمة؛ ومنها تكوينه كان بها، ومنها ولج النور، وكان أن صرخ بقوة، وبقيت معه كجينٍ دائمٍ لا يفارقه، بحكم أنه عائد إليها؛ حيث ولد من الأسفل وعائد إلى الأسفل؛ أي إلى الظلمة، الأقوياء فقط استطاعوا العودة إليها، وبناء قواهم فيها الأتقياء العاملون تحت ضوء الحياة، يحاولون إيقاف تلك القوى، ينجحون إلى حين، ومن ثمَّ يختبئون.
ليس بعد.. العالم لن ينتهي كلياً، سيكمل الناجون من أفعال فكر الظلام، وتبقى الجغرافيا والكواكب وما يحيط بها من سموات، يسرع الناجون للبناء والنهوض من جديد مما وقعت الإنسانية فيه، أولئك الذين حوَّلوا القوانين إلى قيود وزنازين وقبور، بعد أن استعادوا بشريتهم المادية، وبعد أن خسرنا تلك الإنسانية التي وجدنا عليها، وأراد مصنعنا أن نكون عليها، هل صحيح أن الإنسان لا يمكن له الحياة إلا إذا فقد إنسانيته في زمننا؟ أقول هذا صحيح، لأن عالم الظلمة رغم ضآلة مديريه أكبر بفعل التأثير في الكثرة، إذاً أين العدالة، وما معناها بعد أن اكتمل عماؤها، وأصبحت أداة طيِّعة بيد البشرية؟
أيها الناس الأرض تتحرك من تحتنا، من يسحبها؟ تفكروا ملياً إذاً من يريد رمينا إلى السماء التي ستنهار حتماً، وتعود إلى الإطباق على الأرض، بعد أن يتحطم كل شيء، إذاً إلى أين ومن سيقف من جديد؟ مؤكد أنَّ الفضل الأول يكون لحبة الكمأة التي تعيدها إلى مكانها، عالم مختلف يختلف كثيراً عما تعودنا عليه، فهل نحن مهمّون إلى هذا الحدِّ كي نستمر؟ هل يستشعر النخبة من البشر بالأمان؟ مؤكد أن الخوف الهائل غزا عقولهم، لذلك ذهبوا إلى الظلمة ومعهم إحساسهم بأنَّ العالم سينتهي قريباً أو بعيداً، من دون علمهم بأن هناك بقاءً للندرة الإنسانية من اليتامى فاقدي آبائهم وأمهاتهم، مع قليل من الأغنياء واللقطاء، هم من سيعيدون للحياة بريقها، لأنهم يمتلكون عراقة الفكرة التاريخية، ألا وهي الوجود وضرورات استمراره، هؤلاء الذين لم توقفهم الأزمات والمحن، ولا الكوارث الطبيعية أو الاصطناعية التي جرفت سوادها في معظم الحالات، وأبقت أولئك المشردين، حيث أصبحوا أنبياء وأولياء وعلماء، تركوا آثارهم من أجل أن نبحث عنهم، وجانب البحث والتقصي مستمر، ومازلنا نسأل لماذا مستمر ومتمتع بكامل الصفات الإلهية ضمن مسيرته الحية التي لم ينقطع عنها، ولم تنقطع أو تتخلَّ عنه، وتركته يستشرف ما سيحدث رغم العقبات العديدة أمامه، والتي غايتها عرقلته وتطوره وبقاؤه، إلا أنَّ تمسكه بالحياة أبقاه، وسيبقيه إلى ما لا نهاية.
الأخطار مهمة لحركة الحياة وجميعنا ارتكب الخطيئة بالفطرة أو عمداً، وحاول دفنها في الظلام أو التخلص من بقائها في ذاكرته، لماذا نخاف الظلام الذي ينجز فيه كامل عمليات التآمر والتدمير والتكتيك والإستراتيجية، نهرب منه إلى الضوء، نبحث عنه بكل قوانا، لماذا تنتشر الآن وبقوة فوضى المصطلحات والمفردات المائعة بين الجمل الجمالية الجامعة؟ ما معنى أن تكون هناك لغة خشبية ولغة حديدية ولغة وسطية ولغة جامعة ولغة مائعة مفرقة؟ من يتمتع بهذه اللغات، الحمائم أم الصقور؟ العلم أم الدين؟ المعرفة أم الجهل؟ ألا ترون معي أن تحالف الظلام يسعى لتمييع الثقة بالنفس البشرية داعياً بشكل دائم للانفلات من البحث عن الحلول للمعضلات الهائلة التي أصابت المجتمعات العالمية، يصطاد من خلالها ما يناسبه، ويترك الباقي في حالة من التوهان والضبابية مثيرةً الضجيج، وينسج سحباً ركامية، تظهر من القتامة والغموض في الحياة العملية، لتسود فيها لغة الخلط بين العموم، بين الماضي والحاضر والمستقبل.
مما تقدم نعلم أنَّ دورة تحالف الظلام تشير إلى حالة التخلف الحاكمة لعالم الأنوار ودورانها على كراسي إدارة الموجود من الشعوب المنتشرة على هذا الكوكب الحيِّ، يمنح فرصة للرؤية، حيث نجد أن الغنى يتمركز في أيادي الحفنة، بينما الفقر يتزايد بشكل مريع، ما يظهر لنا أنَّ الديمقراطية والديكتاتورية وجهان لعملة واحدة، وكلا النظامين يلفه الغموض، وما ينشر عنهما ما هو إلا تضليل لفكر البسطاء المؤمنين والمتدينين والمثقفين الوظيفيين الحالمين بالعدالة والإنصاف، هاتان الصفتان المنتشرتان في عالم الضوء يحركهما الظلام، أو ينجز تحت ظلاله، والغاية حكم العالم.
هل نقدر على تفكيك هذا التحالف أو فهمه على أقل تقدير؟ هل هناك أكثر من ظلام ونور؟ نعم هناك ظلامان ونوران، وَظُلَمٌ وأنوارٌ من باب المقدس، ربّ المشرقين وربّ المغربين وربّ المشارق والمغارب.



عدد المشاهدات: 3466

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى