مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

كيف أدار الأسد معركته؟!!!.. خالد العبود

الأحد, 27 تشرين الثاني, 2016


 كثيرون هم الذين كانوا لا يدركون حقيقة الحاصل على مستوى الداخل السوري، في مطلع العدوان على سورية، دولة ومجتمعا، وكثيرون هم الذين كانوا يحكمون على المشهد من زاوية رؤية محدّدة، وذلك بحكم المجال الوظيفي للدور الملقى على عاتق كلّ مؤسسة على حدة، وبالتالي فهي رؤية أو زاوية مشاهدة ناقصة، باعتبارها زاوية رؤية غير قادرة على إحاطة المشهد بكامله، وهو أمر لا يعيب أصحابها على الإطلاق، على العكس تماماً إنّه يفيد بأنّ الدولة قائمة على مؤسسات متعافية، وغير قادرة أيّ من هذه المؤسسات على تقدير الموقف الصحيح وحيدة، في معزل عن باقي المؤسسات الأخرى، وهي الفكرة التي كنّا جهدنا في التأكيد عليها في الأسابيع الأولى للعدوان الغاشم..

ضمن هذه الفلسفة المعقدة لبنية الدولة الحقيقية والطبيعية، لا توجد هناك مؤسسة جامعة قادرة على تقدير موقف نهائي لحقيقة الحاصل تفصيليّاً إلا مؤسسة الرئاسة، وتحديداً "المطبخ الصغير" الذي يشرف عليه مباشرة سيادة الرئيس بشار الأسد، كون كل مؤسسات الدولة تقدّم ملفاتها وتضعها على طاولة سيادته الجامعة، فلا المؤسسة الحزبية أو السياسية أو العسكرية أو الاستخباراتية او الاقتصادية قادرة على تقدير موقف نهائي لحقيقة الحاصل، سياسياً وعسكريّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، إلا هذه المؤسسة، ونعني بها مؤسسة الرئاسة، وبالتالي لا توجد مؤسسة غيرها قادرة على وضع استراتيجية مواجهة حقيقيّة، كون أنّه لا يمكن لكل تلك المؤسسات الأخرى أن تلتقي إلا في مؤسسة الرئاسة الجامعة دُستوريّاً، وهو الذي خوّلها وضع تقدير موقف نهائيّ يشكل قاسماً مشتركاً لكلّ "تقديرات المواقف" التي وضعتها المؤسسات الأخرى المختصة، هذه المؤسسات التي كانت أساسيّة في إنتاج وإنضاج الموقف الأخير الذي يمكن أن تتخذه، أو اتخذته، مؤسسة الرئاسة..

كثيرون هم الذين كانوا يؤكدون على نظرية الحسم منذ الأيام الأولى للعدوان، بسقف خسائر معيّن، وبالتالي تكون الدولة كما المجتمع، قد تخلّصا من تلك الخسائر التي تعرضا لها خلال سنوات العدوان، فقد التقيت بكثير من رفاقنا وأخواننا في القوات المسلحة الذين كانوا يرون ذلك، حتى في المؤسسة السياسية والاستخباراتية، كان كثيرون يؤكدون هذه النظرية، وهذا ليس سرّاً نقوله، حتى أنّ الوجدان الجمعي لدى كثير من السوريين كان يذهب بهذا الاتجاه، كما أنّ آخرين من الكتاب والمحللين كانوا يؤكدون هذه القراءة أو هذا التوجه، لهذا كانوا يرون بأنّها مسألة أيّام وتنقضي، ظنّاً منهم أنّ الظاهر، أو ما كان ظاهراً في المشهد، يعبّر صراحة عن طبيعة العدوان وأهدافه..

وهنا كان المطبّ الأكبر والأخطر الذي وقع فيه كثير من السوريين، "موالاة ومعارضة"، فنسقٌ كبير من "الموالاة" اعتبر "الأزمة" تتمثل في "شارع متظاهر"، وبالتالي يمكن التعامل معه وفق مجموعة من السيناريوهات، ومنها سيناريو التخلص من هذا الشارع بعقل تقليدي أو مباشر، بعيداً عن ربطه بسيناريوهات إضافية كانت جاهزة ومعدّة مسبقاً لهذا الاحتمال بالذات، وذلك من قبل أطراف العدوان الحقيقية، ونكون بذلك قد وقعنا في الفخّ الذي أعدّ لنا تماماً، ومنذ الساعة الاولى للعدوان..

كما أنّ آخرين ممّن أطلقوا على أنفسهم صفة "المعارضة" وقعوا أيضاً في التقييم الخاطئ، حين اعتبروا أنّ هذا "الشارع المتظاهر" لم تستطع الدولة على سحقه، وبالتالي فهو شارع يمكن الاستغلال به وفيه، ويمكن البناء على نتائجه المباشرة في إحراج الدولة للتفاوض معه، لا بل إنّ كثيرين منهم ذهبوا أبعد من ذلك بكثير...

والحقيقة أنّنا كنا نؤكد دائماً أنّ العدوان لم يكن في مستوى واحد، فهو لم يكن أمنيّاً فقط، كما أنّه لم يكن عسكريّاً، وكذلك لم يكن اقتصاديّاً، دعونا نؤكد، ونعيد ما كنّا نقوله دائماً، إنّه العدوان "المركب"، الذي كان عدواناً بكل المستويات، حتى تلك المستويات التي لا تخطر على بال كثيرين منّا..

لهذا لا نعتقد أنّ تقدير الموقف لمواجهة العدوان كان يمكن أن يكون من مؤسسة واحدة، كونها مؤسسة كانت تعبّر عن مستوى اشتباك وحيد، فلا المؤسسة العسكرية قادرة على أن تعطي تقدير موقف نهائي في معزل عمّا يحصل في باقي منصات الاشتباك المسؤولة عنها مؤسسات أخرى، نعم صحيح أنّه من واجب قيادات هذه المؤسسات علينا أن تعطي "تقدير الموقف" الذي يناسب منصة الاشتباك التي هي فيه، لكنّه ليس لزاما عليها أن تعتبر هذا "الموقف" نهائيّا وتتصرف على أساسه..

إنّ الفهم الحقيقي لطبيعة العدوان وسيناريوهاته التي أعدت جيّدا كان يستلزم الفصل بداية بين أطراف العدوان وبين وأدواته السياسية والعسكرية، حتى يتضح جيّداً طبيعة هذه الأدوات التي استعملت في هذا العدوان، لهذا لقد كان مطلوباً تظهير الجسد المتظاهر، والتركيز على أنّه غطاء جسد مسلح، وكان مطلوباً أن يتم تظهير هذا الجسد المسلح، ثم تعريته وفضحه على أنّه ليس جسداً حاملاً "للثورة"، وإنما هو جسد "إرهابيّ" صرف، لم يستعمل فقط للقضاء على الدولة السورية، وإنما هو جسد "فوضى" كان يستهدف الاقليم وأجزاء من العالم...

نعتقد أنّ ما فعلته الدولة السورية، ومن خلال قيادتها، تحديداً القائد الصلب العنيد بشار الأسد، لم يكن فعلا تجريبيّاً خاضعاً لثنائية "الخطأ والصواب"، أبداً، وإنّما هي استراتيجية مواجهة وصدّ للعدوان كانت محكمة ومضمونة النتائج تماماً، في ظل فهم كامل لحجم العدوان وحجم أهدافه التي كانت قد أعدت لسورية والمنطقة..

بقي أن ندرك أن حجم التضحيات التي قدّمناها لم تكن لتذكر أمام حجمها لو أنّ العدوان قد نجح وحقق أهدافه، وأنّ النتائج والأهداف التي جاءت بها هذه التضحيات كانت تتمثل في الحفاظ على الدولة وعلى دورها على أكثر من مستوى وصعيد، وعلينا أن ندرك أكثر أنّ هذا العدوان لو مرّ بأهدافه على الوطن السوري لكانت المنطقة والعالم في مكان آخر تماماً، وما كان لنا مكان فيه على الإطلاق..

أخيراً يمكننا القول بأنّ ما حصل في الثمانينيات لا يمكن أن نقارنه بما حصل في 2011، لأنّنا نعتقد أنّ لكل فترة بيئتها الإقليمية والدولية، وبالتالي حساباتها الإقليمية والدولية، ونعتقد أنّ ما حصل في الثمانينيات كان هزيمة لأداة كانت تُستعمل للاستيلاء على السلطة من أجل أهداف لها أبعادها التي تناسب مرحلتها، غير أنّ ما يفعله سيادة الرئيس بشار الاسد اليوم يتعدى ذلك بكثير، فهو لا يعمل على هزيمة الأداة مع الإبقاء عليها حيّة، حيث يمكن أن تُستعمل في مراحل قادمة، لكنّه يعمل على تظهيرها وكشفها ثم فضحها وصولا إلى نبذها من قبل "الحاضنة" التي تعاطفت معها في مراحل معينة، باعتبار أنّ هذه الأداة تعامل معها البعض باعتبارها أداة "للثورة"..

من هنا يمكننا القول بأنّ سيادة الرئيس كان يعمل على هزيمة هذه الأداة باعتبارها أداة مشروع استراتيجي لعدوان كبير، عملت عليه أطراف مشغِّلة ومستثمِّرة لها وفيها، لكن هذه الأداة لها بعدها الوجداني في قلوب وعقول المواطنين، كونها ترفع شعارات دينية لها مسقطها القيمي والتاريخي في وجدانهم الجمعي، وبالتالي فإنّ العمل فقط، نقول فقط، على هزيمتها كلاسيكيّاً سوف تبقى الهزيمة ناقصة، وبالتالي فإنّها يمكن لتلك القوى المشغِّلة والمستثمِّرة في هذه الأداة أن تعود وتستثمر فيها من جديد، أو أن تنفخ فيها على أنها أداة لم تهزم حقيقة، وإنّما هي ظُلمت ولا بدّ من أن تحاول ثانية، وبالتالي فهي قادرة على إعادة انتاج ذاتها من جديد...

بفضل الإدارة الفذّة للمعركة فقد تمّ تحميل الأداة الوزر الحقيقي لما فعلته، وبالتالي انهزم "منظروها" وغابوا عن المشهد، أو يكاد، وما كان لذلك أن يحصل لولا تعرية هذه الأداة تماماً أمام من عوّل عليها، بمعنى أن المشروع قد سقط تماماً..

لقد واجه جمال عبد الناصر "الأخوان المسلمين" وهزمهم لجهة أنّه لم يسمح لهم بالوصول إلى السلطة، كذلك بالنسبة للقائد حافظ الأسد، لكنّ "الأخوان المسلمين" لم ينهزموا كأداة مشروع بريطاني قديماً، أمريكي حديثاً، في حين أنّ الرئيس بشار الأسد أعتقد أنّه سحقهم لجهة عدم إمكانية العودة للاستثمار فيهم من جديد، من قبل أيّ من قوى السيطرة والهيمنة الإمبريالية..

وعلينا الانتباه هنا أنّ المنطقة، وحتى العالم، لا يمكن لهما أن يقفزا فوق ما حصل خلال هذه السنوات من عمر المواجهة التي حصلت، ولا يمكن لقوة سياسية بعدها أن تعود وتستثمر في هذه "القوى" التي اختُبِرتْ جيّدا، حيث شكّل هذا الاختبار مقتلاً كبيرا لها، وهي بالتالي لا يمكن لها أن تعود من جديد للظهور تحت ذات الشعار وذات الفلسفة..

لهذا يمكننا الجزم أنّ المعركة التي خاضها السوريون، وحتى بعض أبناء المنطقة، بقيادة الرئيس الأسد، كانت معركة غير تقليدية وغير كلاسيكية، وبالتالي فإنّ احتمال انتصار أطراف العدوان فيها كان سيشطب إمكانية إقامة الدولة الوطنية العربية حتى مئة عام قادمة، من خلال انتصار نسق "إسلاميّ" معروف، كان ينسّق مع "ممالك الكاز والغاز" بقيادة الامبراطورية الأمريكية!!!...



عدد المشاهدات: 3448

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى