مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

موقف المفكرين السوريين واعتراف المجتمع الدولي بالإبادة الأرمنية

السبت, 22 نيسان, 2017


بقلم د. نورا أريسيان

ربما نتساءل عن الدوافع التي تحدو بنا لدراسة آراء المفكرين السوريين وموقفهم من الإبادة الأرمنية. ونظراً لأن الرأي العام هو الأساس الذي تقوم عليه الأحكام عند عرض أية قضية أمام المجتمع الدولي وإسهاماً في إنارة الرأي العام العربي في موضوع الإبادة الأرمنية عمدت إلى دراسة معمقة وفق استبيان علمي سابق حيث تم التوجه لبعض الشخصيات الفكرية البارزة في سوريا ممن لهم اطلاع على القضية الأرمنية لمقابلتهم وطرح بعض الأسئلة عليهم، لأستطيع في ضوء إجاباتهم التوصل إلى دراسة حول موقفهم من المسألة واستنباط بعض الأفكار غير المعروفة.

من الجدير ذكره أن الباحث د. نعيم اليافي كان قد تطرق في دراسة له بعنوان “المجازر الأرمنيـة وموقف الرأي العام العربي”، نشرت في دار الحوار، اللاذقية، عام  1992، إلى موقف الرأي العام العربي من المجازر الأرمنية. وخلص إلى وجود بادرتين تمثلان الموقف الرسمي العربي هما: 1- تعاطف الموظفين العرب مع المهاجرين الأرمن أثناء المجازر عام 1915 إذ حاولوا التخفيف من حدة أوامر الباب العالي القاضية بنفي الأرمن الناجين من الموت إلى الصحراء ليموتوا هناك. وهذه المواقف كانت تتعاضد مع سلوك الأهالي لمساعدة الأرمن في الاختباء والهرب من بطش الأتراك. 2- البادرة الرسمية الثانية التي تحدد موقفاً أشمل وهي الرسالة الصادرة عن شريف مكة حسين بن علي عام 1917 المتضمنة لوصيته بالأرمن.

بتعريف الموسوعة العربية فإن جناية الإبادة تتحقق بإفناء مجموعة من الناس كلياً أو جزئياً، جسدياً أو أيديولوجياً. وتختلف عن الجرائم الموجهة للإنسانية بأنها جرائم تستهدف اضطهاد الأفراد بسبب عرقهم أو دينهم أو رأيهم السياسي. في حين أن جناية الإبادة تهدف إلى إبادة مجموعات وطنية أو عرقية أو سلالية أو دينية، من دون نظر إلى الاعتبارات السياسية ومن أمثلتها المذابح الجماعية لمجموعة محددة من الناس وتهديم المدن الآهلة بالسكان على أهلها بوسائل الحرب الحديثة.

وأصبحت الحروب تخضع لقواعد دولية، لكن الإبادة الجماعية ظلت عملاً طبيعياً في نظر المتحاربين ومقبولاً أخلاقياً في أثناء الحرب. ولم يوضح أي نظام لضبط هذه الإبادة وتحريمها إلا غداة الحرب العالمية الثانية بعد محكمة نورمبرغ لمعاقبة القادة النازيين على جرائمهم.

من جهة أخرى، يوضح المفكر والباحث نعيم اليافي الذي تطرق في العديد من كتاباته لموضوع المجازر الأرمنية، أن الشعب الأرمني يطالب بثلاثة أمور كلها حقوقه الإنسانية المشروعة: الاعتراف بالمذبحة والتعويض عن الجرائم والإبادة الجماعية والعودة إلى الأرض.

ويحلل الباحث السياسة التي نفِّذت ضد العرب والأرمن، إذ يظهر أن الطورانية التركية حاولت قهر الجميع والاعتداء على كل القوميات. وعن جمال باشا يقول أنه لم يعلق على الأعواد أحرار العرب فحسب بل ساق إلى الموت كل الشرفاء من جميع القوميات وشارك في صنع المجازر والإبادة الجماعية للجميع.

وفي موقفه المسجَّل نراه يطالب الأرمن أن يستمروا في السير على طريق الإحياء من خلال الموت، وذلك أن مَن ذهبوا ضحية العنصرية التركية لم يخلفوا وراءهم أحفاداً يخضعون للقدر وينحدرون في ظلمات اليأس بل على العكس فهؤلاء الأحفاد أدركوا جوهر القضية التي فدتها أمة الأرمن بمليون ونصف مليون شهيد ماتوا في سبيل أرمنيتهم التي لم يستطع العثمانيون إبادتها. وبرأيه إن الأرمن والعرب أثبتوا أن الفاشية التركية والصهيونية قد تقتل أفراداً من الأرمن أو العرب ولكنها لا تستطيع أن تقتل أمة الأرمن ولا الأمة العربية. فالمستقبل لمن اعتنق قضيته وآمن بها.

إن دراسة أجوبة المفكرين قادتنا إلى التعمق في فكرهم حول مسألة السبيل إلى إنصاف الشعب الأرمني بشكل عادل وكيفية التعويض له ومسألة المطالبة بحقوق الإبادة. ومن الملفت للنظر أن الإجابات كانت موضوعية جداً.

فيخلص أنطون مقدسي إلى القول في هذا المنحى أن الأمة الأرمنية لا يمكنها أن تربح معركتها المستمرة مع الأتراك إلا إذا تمكنت من تكوين إنسان أرمني قوي الشكيمة واسع الثقافة وعلى درجة من قوة الشخصية بحيث يعرف كيف يدافع عن مصالحه. ويتوجه بحديثه إلى الشعب الأرمني ليقول: (لا تنتظروا شيئاً من السياسة الدولية على أي مستوى كان بل أنشئوا ذاتكم أمة قوية كي تتمكنوا من الحصول على حقكم. هذا ما أقوله للشعب الأرمني كما أقوله للشعب العربي باستمرار).

لننتقل إلى الرقة وإلى أحد المبدعين السوريين في القرن العشرين في مجال القصة، الكاتب المعروف الدكتور عبد السلام العجيلي الذي يتطرق في رواياته إلى الشخصيات الأرمنية. فيقول: (الإنسان عندما يعود إلى التاريخ يجده مليئاً بالمآسي، والذي نزل بالشعب الأرمني هو من أبشع تلك المآسي). لافتاً إلى أن الإنسان يجب أن يستفيد من الماضي ولا يعلق عليه ويأخذ عبرة مما مضى ويبحث عن الأسباب.

ويبين الكاتب أن الأرمن عاشوا في الدولة العثمانية وبصورة خاصة في القرن التاسع عشر وفي ظل الحكم العثماني بمستوى جيد وشاركوا في جوانب كثيرة في الدولة كالاقتصاد والقانون والوظائف الكبيرة مما تعارض مع خطة الطورانية. ولم يكن الأرمن وحدهم فكل الشعوب تعرضت لنقمة الطورانيين الجدد الذين جاؤوا بالشوفينية العرقية والتي لا تتناسب مع نظرة المسلمين ومبادئ الإسـلام.

وبتداعي ذكرياته عن مساعدة عائلة العجيلي يذكرنا أن والده حداد العجيلي كان يشغل منصب مأمور السوقيات ورئيس البلدية في القرية حينها ولذلك سنحت له الفرصة لمساعدة الأرمن وإيوائهم في بيوته. (فهؤلاء الذين حكموا تركيا في آخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بصورة خاصة هم الذين جعلوا سياستهم سياسة حقد وانتقام فأنزلوا حقدهم على الكثيرين ، والعرب كذلك تعرضوا بعد ذلك، أما الفظائع التي أنزلت بالأرمن فهي تفوق كل ما أنزلوه بالباقي).

وبعد حديثه عما تعلمه من الراهب الأرمني في الرقة يتطرق الدكتور عبد السلام العجيلي إلى مسألة الاعتراف بالقضية. فبرأيه أنه على أرمينيا كدولة رفع مسألة المطالبة بالقضية الأرمنية.

وحول الاعتراف بالإبادة الأرمنية يقول: (لو أن الحكومة التركية عاقلة وإنسانية، لكانت اعترفت ، لكن لا تزال فيها بقايا مصطفى كمال . والسوريون يشكون أيضاً من تركيا، لأنها أخذت أرضنا وماءنا، فما تزال بقايا تربية الدونما اليهود المتتركين، والحكام كلهم من بقاياهم، ولا تزال عندهم بقايا عقلية جمال وأنور وطلعت).

نعتقد أن آراء المفكرين وإجاباتهم ستكون من أفضل الوسائل لتوضيح موقفهم من الإبادة، مما يعطي أهمية كبرى للمعلومات المتوفرة في ذاكرة المفكرين المعاصرين. وتجدر الإشارة إلى أن أهمية تلك الإجابات تكمن أيضاً في توضيح أسباب الإبادة من وجهة النظر السورية، لأنه من المفيد والضروري جداً معرفة موقف السوريين الذين ساهموا بشكل كبير في إنقاذ الأرمن المنكوبين سواء أكانوا من شخصيات سياسية أو غيرها واكبت عمليات التهجير والمجازر، حيث أضحوا شهود عيان على ذلك مما يعطينا الفرصة لاستنباط الرأي العام السوري السائد. ولقد أضحت سوريا الملجأ الآمن للأرمن في أوقات المحنة والمجازر، حيث وجدوا فيها الأمن والاستقرار وعاشوا في راحة وطمأنينة وأصبحوا جزءاً من شعبه، لهم ما لسائر أبناء البلد من حقوق وواجبات المواطنة.



عدد المشاهدات: 6622

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى