مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

لا وداع للقدس ... د.نبيل طعمة

الأربعاء, 20 كانون الأول, 2017


بل إلى اللقاء، فالصراع مفتوح، وكامل عناصره جاهزة، وإلى أقصى مدى ضمن دائرة الشرق الأوسط منذ أن ولد وحتى اللحظة وإلى المستقبل، وقضية القدس تجسّد الصراع الأزلي القادم من العلاقات الروحية والعاطفية لهذه البقعة، يدوّنها التاريخ الديني والإثني والجغرافي الذي لا نستطيع أن نفصله عن بعضه، أو محوه، وصولاً إلى سرقة فلسطين أو اغتصابها لحظة أن كان العرب تحت الصفر.

يحاولون نفض غبار الاستعمار المنسحب صورياً من جغرافيتهم، وعندما وصلوا إلى الصفر، سرق منهم الضفة والجولان وسيناء وغزة وأراضي من لبنان، وحينما أصبحوا فوق الصفر، أرادوا إعادتهم إلى تحت الصفر، لا يعلم أحد درجات تحت، هدير، سخط، وأيام غضب، اجتماع أمة لا يتناول أبداً المسَّ بكرامتها، ولا تنتصر لهزائمها، ولم تتحرك إلا من أجل تقديم الأعذار للآخر من غير شعبها.

ماذا بقي للانتصار الذي دفن منذ زمن، وتراكمت الانكسارات، إلى أن وصلت إلى حدود قبولهم والتعامل معها بالابتسام؟ هل أدركنا أن القدس جوهر عملية السلام والضامن الرئيس لاستقرار المنطقة وحتى العالم؟ كيف بنا نفهم العالم ذلك؟ بالسلاح المباشر، بالمقاومة المستمرة، بالحوار السياسي، بالحصار الاقتصادي؟ ألا تمثل القدس تحديات ضخمة للأمة التي ما فتئت تخوض معارك عنيفة، وأهمها مع التخلف المسكون في جوهرها، الذي لم يتطور مذَّاك الموغل في القدم وحتى اللحظة رغم وصول شكلها إلى درجة القبول على سلم التحضر والحداثة؟

الصراع العربي صراع عالمي، هو ليس مع كيان صهيوني، أُطلق عليه (إسرائيل) (يعقوب النبي)، إنما مع العالم الذي يحمل هذا الكيان على كتفيه، ويمده ويدعمه بالوسائل كافة، ومن ثمّ يحيلنا إلى تحديد الوجهة، وأنه يشكل بدقة صراعاً مع الغرب، ومنعاً لأي التباس مع عالم الشمال برمته، على الرغم من تباين مواقفه، إلا أن الجميع في العالم ذاته، يؤمن بقيامته، ويمنع دحره بكامل قواه، لكنه يسمح للعرب بالدفاع عن أنفسهم، ضمن شروط، وهذا ما نجده أثناء عمليات التسليح للدول العربية، وبقاء الفارق التكنولوجي كبيراً بين الكيان الصهيوني والعرب بشكل كبير، والتسليحي بشكل أكبر.

الصراع مفتوح على كل المشاهد، ويشير إلى الناظر ويريه حجم المشكلات المتجذرة والعميقة التي يحياها الشعب العربي في جميع أقطاره من دون استثناء، وعدم توجه قياداته عبر الزمن الحديث لتحديث فكرها القيادي، وهذا ما يسبب أو يهيئ لاشتعال الأزمات داخله، ومع بعضه، وتفاعلاتها المزمنة بين الحين والآخر التي ما إن تهدأ حتى تشتعل محدثةً العودة إلى الصفر، وحتى إلى ما تحته، هذا يحدث بعد كل دوران للعجلة إلى الأمام لماذا؟

لم تعد الأمور غير مفهومة، وغدت جميع القضايا واضحةً، ما أدى لتوحيد المشاعر التي تطالب بحسم المواقف لا الاستثمار في العواطف، والمواطن العربي يسأل عن البدائل المتاحة، إنه يحتاج إلى بناء شخصيته أمام حركة الصراع، وإثبات القيادات لقوة شخصيتها وإخراجها من الحضيض الذي وصلت إليه، بسبب قبولها الوقوع فيه، وتحويل شعوبها إلى فريسة للدعاية المضللة التي لا تمت لحقيقة الصراع بأي صلة، والكشف عن مجرياته من دون حجج، والذي نشاهده دائماً تضخيم لردود الأفعال، وتعتيم على كامل حقيقة الفعل، ما يمنحنا فرصة تحليل السياسات العالمية في المنطقة التي تسهم في توجيه السياسات العربية، وتقوم على استغلال ممنهج للعواطف والاستثمار فيها. برأيكم إلى متى ستبقى الحال على ما هي عليه؟

هل اختلف مشهد الصراع القمعي للعرب الذي بدأ منذ عام 1948؟ حيث سبقه النظري مع ظهور وعد بلفور عام 1917 إلى العلن، والقوى العظمى التي ساندته آنذاك، هل غيرت نظراتها منذ عهد لينين؟ مروراً بالحالة المفصلية عام 1948 مع ستالين وصولاً إلى بوتين، وأيضاً الأمريكي من عهد وودرو ويلسون عام 1917، مروراً بهاري ترومان عام 1948 وصولاً إلى ترامب، وأيضاً الفرنسي من ريمون بوانكاريه، مروراً بفينسنت أوريول وصولاً إلى ماكرون، والإنكليزي ديفيد لويد جورج مروراً بتشرشل وكليمنت أتلي، وصولاً  لتيريزا ماي، والصيني من ماو تسي تونغ إلى شي جين بينغ، ومعهم دول أوروبا مجتمعه ومتفرقه، إضافة إلى الدول التي تدور في فلكهم، والكثير من الدول العربية، من يدين هذا الكيان؟ من يقدر على إدانته برسم تحليل المشهد؟

مئة عام ربما جديدة من الصراع تبدأ الآن مع إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني بعد انتهاء المئوية الأولى، نقطة من أول السطر.

التنديد والشجب والاعتصام والتظاهر والاتجاه إلى الأمم المتحدة من دون جدوى، وكذلك مؤتمرات القمم العربية والإسلامية التي تأتيها التعليمات المسبقة، وبنودها التي تسمح بالتظاهر وحرق الأعلام الأمريكية والصهيونية، وتشكيل دمى وحرقها، إن كان للرئيس الأمريكي أو للقائمين على الكيان الصهيوني، والسباب والشتائم للمتخاذلين، وبالمقابل ممنوع الاعتداء على السفارات، أو مقدساتهم، أو شخصياتهم.

غضب مؤقت، أيام... أسابيع... سرعان ما يزول ويحدث التقبل والقبول فيما هم وصلوا إليه، ومع ذلك رأينا محادثات مدريد أوسلو وكامب ديفيد، ووقعنا على هدنٍ ومعاهدات سلام مصرية وأردنية، والتطبيع جارٍ على قدم وساق، وتسابق على ذلك من الدول العربية التي تطرح مبادرة تلو المبادرة، تمثل الاعتراف، وتدعو إليه.

كانت فلسطين كاملة، طُرح التقسيم 1948، لم يبقَ من فلسطين الآن مع الضفة والقطاع سوى 8%، وذاهبة إلى انتهاء، ألا تشير جميع المواقف القادمة من الدول العظمى إلى المشاركة في الجريمة التاريخية بحق العرب عموماً والفلسطينيين بشكل خاص، والدعم المباشر وغير المباشر للكيان الصهيوني، وانكشاف جميع الجرائم التاريخية والحالية التي يختصرونها الآن بجريمة القدس التي تعيد الاستفزاز السافر لكامل المشاعر العربية ومعتقداتها المسيحية والإسلامية بزعامة أمريكية، من دون أي حراك حقيقي من باقي الدول.

أوَلم يدرك العرب أن إقناع الغرب للعرب بأنَّ الكيان الصهيوني حقيقة واقعة؟ جرى التمهيد له بعلمية فائقة وتضليل إستراتيجي بتحويل الأنظار بشكل مبرمج وهادئ من رفض لهذا الكيان إلى اعتراف، بدءاً من عالم الشمال مجتمعاً عام 1948 إلى قضية الضفة والقطاع (غزة) إلى القدس، وسيتم لاحقاً اختزالها بالأقصى، وهل يحق للمسلمين الدخول إليه أم لا؟ وستشتعل الانتفاضات العربية من جديد، بينما يجري الإعداد لوطن بديل للفلسطينيين في الأردن، أو ضمن مشروع "نيوم" السعودي المصري الأردني (سيناء)، ألا ينبغي أن يسفر كل هذا ويرينا حجم التغلغل الذي يجسده اتحاد العقل الصهيوني الأمريكي في العالم، وبشكل خاص مع العقل القيادي العربي الغارق في صراعاته الداخلية وصراع السيطرة على بعضه وتدمير قواه بقواه، التي ما إن تتشكل حتى يفرط عقدها.

هل ستحدث الاستفاقة، أم إنَّ الأمة تستعد للقول: وداعاً يا قدس كما ودعنا الأجزاء الواحد تلو الآخر؟ أم إننا نتعلق بمقولة: لا يموت حقٌّ وراءه مطالب؟

أؤكد أنَّ الأمة لن تستكين، على الرغم من كل ظروف الهوان، وأنَّ الشعب العربي وقف بقوة الحق خلف الشعب الفلسطيني، الزمن يحرك الشعوب، ومصرّ على أن تعلن وبشكل دائم الانتصار للحق العربي والفلسطيني وكشف كل المتخاذلين، لم ولن تقول أبداً وداعاً لفلسطين، فكيف بها تقول وداعاً للقدس؟

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 3652

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى