مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

دنيـــا وديــــن-د. نبيل طعمة

الأربعاء, 24 كانون الثاني, 2018


الافتراض المنطقي يشير إلى أنهما يمثلان التنوير للحياة البشرية، وألا يتجاوزا حدودها، لكون الدنيا وجدت حاضنةً لكل شيء، بما فيها الأديان، وتقاسمت الدول دنيانا، كما تقاسمت الأديان قلوب البشر، وسياسة كل دولة ترسم مسارات حضور أبنائها ومنهجها رأسمالية اشتراكية علمانية، بتدرجات من الإيمان العلمي بالمطلق، إلى مزج العلمي بالغيبي.

للعلم لم يُظهر التاريخ الحديث أي حكم ديني، أي إنَّ الحكومات برمتها علمانية، وهي التي تقود الأديان، وأفعالها تشير إلى أنها كانت ومازالت رئيسة فاعلة في مقارعات الحروب والفساد وانزياح سواد البشر عن ثقافة العدالة والحق، وذهابهم إلى التجاوزات الهائلة والمرعبة التي تغطيها كثيراً الإدارات الدينية وفتاواها القادمة، من ناطقيها إلى المتعلقين بها، وحتى اللحظة ما إن يخطب رجل دين، حتى تلتئم حوله الجموع، بينما لا يقف أحد مع الثقافة وحركة الفكر والفلسفة، وإن كان من يقف مازال ضمن ندرة الندرة، ولذلك أصارح قائلاً: لقد اقترب كثيراً زمن انكشاف المشروع الديني أمام حركة التطور العلمي والعالمي الهائلة، وبدأنا نلحظ تدهوراً مهماً في علاقتها بمريديها الذين يستثمرون الدين، من دون الأخذ بمبادئه وقيمه السمحة، والسبب التعليم والخلط بين حالتي الدين والدنيا اللتين تمثلان علاقة جدلية.

لم تفتأ الحوارات عن تناول تينكما، وهل يجتمعان أم لا؟ والنقاشات ضمن مجتمعاتنا مازالت مستمرةً منذ بدء الحراك الديني الذي لم ينقطع عن الصراع مع الحراك الدنيوي، ووصل البعض لتقسيم اليوم إلى ثلاث منظومات؛ ثلث للعمل، وثلث للعبادة والأمل، وثلث للمتع بالجمال والشراب والغزل، ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك مختصراً قائلاً: ساعة للرب مقدسة، وساعة للجيب محفزة، وساعة للمجون تنهي الشجون مُسعِدة، لا يهم فيها إن كانت مدنّسة، أو تقترب بحلولها من الضرورات المحدثة، وهؤلاء فهموا الدنيا، وأدركوا أنَّ الآخرة ثانوية وأخروية، سواء أكانوا من الساسة الكبار ومديري الحياة باقتدار، أم من فاقدي طعم لذاتها من العامة اللاهثين وراء الآخرة لوعدها لهم بالخلود والحور العين، وجنان فيها ما لذَّ وطاب من خمر وعسل ولبن ورمان وتين يمكثون فيها آبدين، لذلك وجب عليهم أن يتنازلوا عن لذائذ الدنيا، وأن يترفعوا ويسموا على مادياتها، يستثمرهم الخاصة وخاصة الخاصة، كل على هواه متى يشأ، ومن حين إلى حين.

ما حال اليوم الديني الذي حمل في لغة ظهوره أنه ينبوع البساطة والتواضع وحركة النشاط والإبداع للأرض والوطن والإنسان؟ يبدو أن سنة التطور قبلت جميع المعادلات، ليغدو الدين اليوم الأساس الثابت الذي تبنى عليه الدنيا الروحية، من دون منازع، لماذا؟ وما المسافة بين دور العبادة ودور الثقافة ومراسم الفن والجمال، أي بين الدين والدنيا؟ وكيف بنا نختصرها ونجعلهما متداخلين، وندفع بهما للإيمان ببعضهما؟ فلا ضير في أن تكون المساجد مراكز إشعاع علمي وحضاري، وألا تقتصر مكتباتها على المصاحف والفقه والسنة؛ بل أن تشمل صنوف العلوم والإبداع والفنون والعمارة كافة، كما هو حال المكتبات الحاملة لمختلف صنوف الحياة، بما فيها الديني.

كيف بنا نتعبد بعيداً من العلم والبحث عن التطور وممارسة الأنشطة الاجتماعية؟ كيف بنا ننهي التشدُّد الديني والتعصُّب تجاه ثقافات الآخر؟ وإذا كانت الدنيا تمثل العلم والثقافة والحضارة؛ فهل يكتفي الدين بأن يكون عبادة وآخرة وقيامة؟

كيف بنا نعزز المواطنة ودور المواطن في البناء والتطور؟ هل وصلت هذه اللغة إلى القائمين على إدارة شؤون الدين؟ أم إنهم ليسوا أكثر من حاملي رايات، ينادون باسم الله ورسله وخلفائه وأمرائه، ومن تحتها تبدو أهدافهم الدنيوية من طبيعة الإنسان الغريزية، وأن كل هذه الظهورات الدينية ليست إلا أشكالاً خارجية، تتخذ ذرائع لبلوغ المآرب والغايات؟ لقد أوشك أن يصبح اسم الله على ألسنتهم أداةً للأذى والكذب والنفاق والضحك على الذقون الطيبة واللحى المجمَّلة بالطيب والحناء.

لنعلم أن الإنسان يظل موجوداً بظله الإنساني، مادام أنه طالبٌ للعلم، وعندما يظن أنه علم، يكون قد غلبه الجهل، واعتلاه الغرور نتاج قوله: إنني راضٍ عن نفسي وفكري، وهذا ما يأخذه إلى خسران الدنيا، ومعه يذهب ما يعتقد به في ثمانينات القرن الماضي، حيث وصلت أوروبا إلى ذروة الإباحية، وبدأت شعوبها تنسحب من الدين، هربت من القيود الدينية والضرائب الكنسية إلى اللادينية.

كيف تصرَّف رجال الدين الأوروبيون؟ بحثوا علمياً عن طرق إعادة مريديهم، ووجدوا في تطوير فايروس الإيدز الخامل والموجود في ماء العين، دفعوا كثيراً من المال، وطوروا الفايروس ضمن منظومة الحروب البيولوجية، وانتشر بين الجميع انتشار النار في الهشيم، فهاد الشعب إليهم، حتى على مستوى القبلة، قبل أن تحدث وجب الحصول على التحليل وبهذا يساعدون دولهم على الاستمرار لا للانفلات، ورجالات الدين لدينا يتحدثون في الغيبي عن عذابات القبر وجحيم جهنم، وكم كتبت عن أيها الناس لا جحيم لكم، إلا إذا صنعتم جحيمكم بأنفسكم؛ أي راكمتم أخطاءكم التي تتحول إلى جحيم.

كيف بنا لا ندرك حقائق الدنيا، ونعمل لها بالحب والإخلاص؟ فنكون عندها مؤمنين بأننا نستحقها، وتستحقنا، لا متدينين مشخصنين للعلاقة بيننا وبين الإله، من دون الالتفات إلى الحياة المالكة لدنيانا، والموجود فيها الآخر الذي يحتاجنا بقدر ما نحتاجه.

لنتفكر بأنَّ أجدى علم هو ذاك الذي يدعو إلى التفكر فيما نحن عليه، وإخراج الحلول لمجتمعاتنا المصابة بالعقم الفكري، أو يمنع عنها التفكير، ومن يسعَ إلى عمل شريف لا يعدّ فاشلاً، وإن أخفق، فهل فكر رجالات الدين الإسلامي، وهم يفتتحون صباح مساء مساجد ومدارس شرعية، ويبنون الدعاة، ويزيدون في المريدين، أن يتجهوا إلى مريديهم، ويُدخلوا إلى أفكارهم علوم الجمال وفنونه السبعة؟ هل فكروا بفرد تعاليم الفلسفة والاستفادة من حضورها كعلم مطوّر للحياة؟ هل نعود إلى فهم الوحي والتأمل، وأنه لا يحدث إلا من بوابات العلم الإبداعي، لا العلم التعليمي؟ أم إنهم مصرون على نظم الفقه والسنَّة والحديث؟

الذي نزرعه نحصده وما بينهما تابعوا معي آليات البناء، نبني الشكل ونزيد في الأدوار الوظيفية بلا علمية، فنحصد الخوف والنفاق والفساد بدلاً من الإبداع والاختراع والإيمان بالإنتاج وإعلاء شأن الوطن والأمة الذي لا يتم إلا بالعلم والإيمان به، فوحده العلم يوصلنا إلى ماهية الله وإدراك جلاله وقيمة وقوة وحدة وجوده مع الإنسان، مع الحياة الحية.

لذلك أجد أنَّ تطوير الأفكار الدينية وفتح باب الاجتهاد العلمي في الدين غدا أكثر من ضرورة وحاجة ماسة، كي ينعكس على تطوير الدنيا، وكل تلك الأفكار التي اعتنقتها الشعوب الإسلامية والعربية البسيطة أصبحت بحاجة ماسة لمناقشتها، بعدما اقتربت - وكما تحدثت- من الانكشاف، ونحن هنا لا ندعي بأنها لا تحمل مبادئ سامية، إنما ندعو إلى تطوير المعنى الذي يستحق أمام حركة اتساع العقل، فتح بواباته، وقلت سابقاً: كلما اتسع العقل اتسع الكون، وتكاثفت الأفكار، فهل نلتقطها أو نأخذ بعضاً منها، ونفرده على طاولات البحث من أجل الدنيا أولاً التي تأخذ بنا لفهم حركة الدين والإيمان، ومن ثمَّ يصبح على الناس كافة فهم حركة الآخرة وآليات الانتقال فيها.

طبعاً قدمت الدنيا على الدين، لأنها الأصل والسابقة له، كما هو حال الأخلاق، حيث الدين بندٌ من بنودها، وهي سابقة عليه، وإنه من الضروري تعزيز دور الدنيا، لأنها البناء والحياة وتوجيه الدين للإسهام فيها.



عدد المشاهدات: 3513

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى