مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

الحداثة والحقوق د. نبيل طعمة

الأربعاء, 14 شباط, 2018


الخاصة والعامة والوجود كدولة أمام كل هذه الاستباحة القادمة من العالم الأول، المهيمنة على عوالمنا، ألا يشير هذا بداية إلى وجود يظهر أنَّ الضعفاء يتمسكون بالقانون من أجل الوصول إلى الحقوق، بينما الأقوياء يصنعون القانون ويديرونه؟ وهذا يأخذ بنا لنقول: إن هناك نقصاً في الحداثة، حيث السياق التاريخي يدلنا على أنه يدور في فلك ذاته، الذي نجده أنه يحتاج إلى ترميمها أولاً، وإلى أن نسلك اتجاهات عقلانية مستخدمين أثناءها لغة السياسة، مستعينين بمبادئ أخلاقية وفهم دقيق لحركة مجتمعنا، ومن خلالها نفرد القاعدة الحداثوية وثلاثية قيامتها المرتكزة على مدى إدراك العقل ونوعية الإرادة المتفاعلة مع مخرجاته والطبيعة ووظائفها بعيداً من هالة المقدس التي تسيطر منذ آلاف السنين على الفكر التقليدي المسكون في مجتمعاتنا، المسؤول الأول والأخير عن فقدان أهم عنصر من عناصر الحداثة، ألا وهو القدرة على الاختيار، والبحث عن إمكانيات الإدراك أو توليده لقيم الحرية المنطقية وتحقيقه للازدهار المنشود.
حينما نؤمن أنَّ اختلاف العصور حقيقة واقعة نتاج الغلبة الفكرانية الحاصلة في ذات العصر، على العصر ذاته وما سبقه، نصل إلى مفهوم الحداثة التي لا تعتبر من وجهة نظري وجود الإله انتقاصاً في مسيرتها وإرادتها الوصول إلى جوهر الأشياء كما هي، وتؤمن أن رغبتها في الوصول البحثي إلى جوهر كل شيء، وبعدها تحقيق الثقة بوجوده وامتلاك علوم ومفاهيم ماهيّته، لأنّ الوصول إلى هذه الماهية، يعين الوصول إلى العلم، لذلك نجد أن الحداثة تتوقف عند الكهنوت الديني الذي يحاول إلغاء الحتمية العلمية والتشكيك فيها، لأنها تعزّز أدوار البحث والإدراك والاشتغال للطبيعة والاعتراف بالحقوق لا تمييعها، وهذا الذي يحدث على حساب الماورائيات التي مازالت تغزو بقوة الكثير من البشر على حساب إنسانية الحياة ودورها المغري للاستمرار.
هل تعني الحداثة العلمية أم العلمانية أو الإلحاد، وهذه العناوين التي فردت عالمياً وحازت ثقة كثيرٍ من المجتمعات، بعد أن أجرت حوارات عقلانية، أنجزت من خلالها حضورها، وأظهرت إبداعاتها، لنسمح لأنفسنا بأن نجري نقاشاً الآن، ولنبدأ بسؤال: أين يقف مجتمعنا من الحداثة؟ وهل مارسنا العقلانية الاجتماعية والأخلاقية العلمية في مسيرنا للوصول إليها؟ أم إن فلسفة السياسة المصدر الرئيس لأي حكم وإداراته، تصبح مسؤولة عن العلاقات الاجتماعية والثقافات النوعية التي تحول المجتمعات إلى حالة تسالم، أو تصارع مؤقت أو دائم مع مسائل الحريات والموارد والإنفاق وأسلوب الحياة والسلوك الاجتماعي؟ ما يؤدي إلى توترات نفسية عميقة فارضة اعتبار الماورائيات حالة استمرار دنيوية، تقلص أدوار الحداثة، وتضعف النمو العلمي والفكري من خلال تعزيز الاتجاه إلى التعبُّدات عبر طقوس تأخذ على عاتقها دمج الوثوقية الساذجة بالعلمية المنجبة للحداثة، وهذا ما يفجر الحداثة من خطواتها الأولى، والدليل أننا وحتى اللحظة لم يدخل ذاكراتنا حالة حداثوية واحدة، بحكم التأسيس للروح والاحتلالات المتعاقبة التي لم تؤثر إلا سلباً في فكرنا، ولم نقدر على التأثير فيها؛ بل أكثر من ذلك فسحت مجالات لتعميق التخلف والتمسك بالأطلال التي تقفز فوق مستوى الحداثة إلى الآخرة أو الأخروية أو الثانوية، أو تنتقل لتدخل في حيّزٍ مشابه أو متغير.
حين ندرك ما نحن فيه وعليه، نجد حضورنا مهمَّشاً ومستضعفاً وجاهزاً للانقضاض عليه واقتناصه، بدءاً من بعضنا وعلى بعضنا، وصولاً إلى الآخر الغريب والمحيط الذي يبرمج ما يريد لنا، أو أنه يديرنا بوسائطه الظاهرة والخفية.
كيف بنا نحمي حقوقنا في الحياة والوجود والتطور والتقدم؟ كيف بنا نتخلص من حرماننا لأفكارنا وطبقات مجتمعاتنا من المتاح الطبيعي والعلمي؟ كيف نفسح للنخب الفكرية الحداثوية من الأجيال الناهضة في التقدم من دون تهديد من الكهنوت الديني وتحويل الفنون والآداب والنتاجات الحضارية إلى مكاسب تتناقلها الأجيال، ويفتخر بها القائمون من الحياة المستمرون فيها؟ هل يسبب الإصلاح صراعات على المكاسب، تنتج تسويات تعتمدها النخب المتمسكة بمصالحها الفردية، حيث غايتها استمرار عمليات التجهيل خوفاً على حضورها؟ أم إنه سينسفها مفسحاً المجال لكل جديد، وللإبداع أن يأخذ حضوره؟
كيف بنا نصل إلى الحداثة التي تعني الاستثمار في الزمن والاستفادة منه في آن؟ فنحن مازلنا غارقين في متاهات التأزم السياسي العالمي المنعكس فقط ضمن مجتمعاتنا، والذي يتلاعب فينا، حيث الاختناقات الاقتصادية والاجتماعية والدينية المتمادية، لدرجة الشك الهائل في إيجاد الحلول، ناهيكم عن حجم الإرث الهائل والثقيل، وليس من السهل إدارته ومعالجته سريعاً، ونحن بحاجة ماسة إلى الوقت الذي إن لم نحسن التعامل معه، فسيعمّ الانفلات الفكري لمصلحة الماورائي، ومعه نخسر الوقت وإمكانات الاستفادة من الموارد الغزيرة البشرية والمادية.
إنَّ أهم ما نحتاج إليه هو القدرة على إدارة الوقت، وأن نسير مع عقاربه إلى الأمام، وإلا فنحن نتجه نحو نهايات مروعة، تملؤها الصراعات التي لا تمتلك حقوق التسويات، ويغدو المدافعون عن الماضي؛ الدين والقيم، أمام الحداثويين أكثر قوةً وجرأةً وعدائيةً؛ أي ستستمر الفوضى، ويستمر العداء.
هل نحن قادرون على صنع الحداثة خاصتنا كأمة عربية، وكمجتمع عربي سوري بشكل خاص؟ هل نستطيع أن نصل إلى ما وصل إليه الآخرون في فهمهم لمقتضيات الحياة التي بنوا لها مشروعهم الحداثوي، الذي أخذ بيدهم إلى صناعة التطور المذهل، والذي استفدنا كثيراً منه ومن منجزاته، من دون أن نعترف، وتهنا معه، لأنَّ المسكون العقلي والمتوارث عبر الأجيال كان أكبر منه؟!
أجل كانت سورية سائرةً في مشروع حداثوي كبير عبر طرح مشروعي التحديث والتطوير من خلال الرئاسة الجديدة المجددة لسورية بعد منتصف عام ألفين، انتظر المحيط الذي لم يستوعب الطرح، ولم يفهم الأفكار الفلسفية التي طرحها حينها الرئيس الجديد، وتابع فيها بإصرار وإحساس أنَّ المحيط التخلفي الذي لم يؤمن يوماً بجوهر الحداثة، واعتبره مظهراً، أخذ على عاتقه حبك المؤامرات ضد سورية ورئيسها، واتفق المتخلفون على التحريض ضد هذه الحداثة القادمة بقوة، وكيف بها تعتلي ظهر الأمة بقوة فكرها، ولعبت لعبة الدومينو على مدى عشر سنوات، لتدخل حيّز التنفيذ، ويتخذ التخلف الشكل التنفيذي بأمر من صانعي الحداثة، وللأسف ثماني سنوات حرقت ودمرت كامل الفكر الحداثوي في الأمة العربية لمصلحة الكهنوت الديني، ولم يتم تمييع الحقوق في الوصول إلى الحداثة فقط؛ بل القضاء عليها، إلا أنَّ الإصرار السوري على النهوض حدث من خلال الصبر الهائل للرئيس؛ حامل الفكرة ومنفذها، والإصرار منه أولاً على الخلاص، ومن ثمَّ المتابعة في نهجه الذي طرحه وتطويره للمؤسس قبله، ولولا الحداثة الخفية المسكونة في عقله، وما أنجزته وتنجزه بوجوده واستمراره لضاع كل شيء، ولكان التخلف حقق ما أراد، لذلك أجدني أخطُّ دعوة لتعميق فكر الحداثة، لأنه الوحيد القادر على دحر التخلف واستعادة الحقوق وتعميمها.
مالكو الحداثة في أمريكا وأوروبا انكشفوا، وهم يسيرون مع أدواتهم نحو تحطيم حداثة الآخر ومنها سورية؛ بل أهمها سورية، التي اتُهمت قديماً بسعيها للشيوعية بغاية جلبها للحاضنة الأوروأمريكية، وفيما بعد الصهيونية، فها هي تكشف خداعهم وتضليلهم وتهويشاتهم لخداع الرأي العام العالمي، وتعلنها أنها لن تخضع لأي ضغوط، ولن تستسلم إلا لما تؤمن به، وتؤكد أنها ماضية في تحقيق حداثتها، وتُحصّل ليس فقط حقوقها؛ بل حقوق أمتها العربية.



عدد المشاهدات: 3303

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى