مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

حـرب الأعصاب ....د. نبيل طعمة

الأربعاء, 14 آذار, 2018


أُريد تنفيذها في سورية، وهي قديمة جديدة، بدأت بتهيئة محيط سورية المهيأ دائماً، وأقصد هنا دفعه لانتهاك القوانين والأعراف الدولية، وجعل أكثر الدول العربية قرباً لها منفذة للعدوان على سورية، إضافة إلى الجارة التركية ذات العلاقات الحميمة معها، وتحويلها إلى عدائية مفرطة.

طبعاً كل هذا الخطر أتى من حمى النشاط الأمريكي وسياسته الموجهة بصورة رئيسة ضد مواطني الجمهورية العربية السورية، حيث استطاع جذب المخدوعين، بأن الخطر في سورية، وليس في إسرائيل، واتهام سورية بالعديد من القضايا، يأخذ بنا للتعمق أكثر بالسياسة الأمريكية السائرة في تحقيق أهدافها، وأن أغلبية المشتغلين في حقول السياسة، يتوقعون أن سياسة أمريكا فاشلة، أو ستفشل في تحقيق ما تسعى إليه، وحينئذٍ نقول: إن الوقائع تجافي الحقائق، لأن الذي ننشده أولاً أن نستوعب أهداف السياسة الأمريكية بوضوح، ومن ثم نحدد مقومات الرد عليها والتعامل معها، وبعدها نحدد مقاييس النجاح والفشل، لأن الذي حصل مع سورية قادها للتعامل مع الأمريكي وسياساته بأعصاب هادئة وباردة وسلسة، رغم عنف الحرب الدائرة على أراضيها، وبعد نجاح الأمريكي بتجييش كثير من دول الشرق الأوسط المحيطة بسورية بتنفيذ عدوان شامل مباشر وغير مباشر على وطنية سورية وعروبتها ومقاومتها، وسارت هذه الدول بركاب السياسة الأمريكية، وأصرت خوفاً من الفشل والاعتراف بالهزيمة على الاستمرار في عدوانها رغم خطورة النتائج، وإني أستطيع التحدث ببدء انهيار المشروع وتقهقره إلى الفشل، لأن المبدأ الهتلري الذي تمَّ اعتماده في سورية من قوى العدوان المستند إلى نظرية «الحرب الصاعقة» انتهى في سورية من لحظة ابتدائه، ليغدو وخبره منحصراً بمبدأ حرب الأعصاب التي تنسج في الظلمة خيوط الفجر من دون دراية من المتربصين، لأنها تستخدم جميع الوسائل الضاغطة على أعصاب ومعنويات الناس ووجدانهم الذاتي والوطني، فهي تهاجم من دون استثناء المدنيين والساسة والعسكر والاقتصاديين، وتتلاعب بالمتدينين، تستخدم جميع المساحات، لذلك نجدها أخطر أنواع الحروب لافتعالها الأزمات، وناجعة لحبك المؤامرات.

لا يختلف اثنان في الشرق الأوسط على أخطر سياسة متبعة من الأمريكي، بأنها السياسة المزدوجة التي تتبعها أمريكا، فالكيل بمكيالين والتلاعب بالمعايير أظهر لسورية مسبقاً الخطة المرسومة والمدروسة التي حاولوا تنفيذها فصلاً فصلاً معتبرين أن سورية مسرح، وتسارع المشاهد عليها يؤدي إلى عملية التخويف وتحويله إلى عاجل وخطِر، وتوجيه الأنظار إلى سورية، وأن الكيان الصهيوني لم يعد عدواً للمتآمرين عليها الذين ارتبطوا كلياً بعجلة الأمريكي والغرب مع الصهيونية، وبذلك يظهرون أعداءً جدداً يخدمون الكيان الصهيوني أولاً وأخيراً، وتخفف عنه الضغط العالمي، ما يتيح له أن يستكمل مشروعه الرئيس، ألا وهو التهويد النهائي لكامل فلسطين، بما فيها القدس، ومع هذا الخط يجري تعزيز الأهداف التي تحقق المصالح الأمريكية.

لاحظوا معي أن أكبر خطر حدث وهدد المشاريع الأوروأمريكية الصهيونية كان الإجماع العربي سابقاً، والتضامن إبان حرب تشرين التحريرية عام 1973، وجرى العمل على ضربه، ونجح ذلك إلى حدّ كبير من خلال خلق الأخطار واصطناعها بين الأقطار العربية، وهذا ما نراه الآن، وللمتابع الذي يستعيد التاريخ القريب لسورية، يعلم أن الخطة الأمريكية قديمة جديدة، والاختلاف كان في التكتيك، والهدف الرئيس والدائم لهذه الخطة هو تدمير جوهر العروبة، وفرط عقدها، وقتل هدفها الأصيل القومية العربية وحاملها الرئيس سورية، ومحو لغة المقاومة من فلسفتها، والسعي لسحب سورية من علاقاتها التاريخية مع الاتحاد السوفييتي سابقاً، والاتحاد الروسي حالياً، وتحويلها إلى الحاضنة الأمريكية، ما يؤدي إلى وقوع كامل الأمة العربية في الحضن الأمريكي والصهيوني، هي هكذا السياسة الأمريكية، وما تبتغيه من كل ما يجري في سورية، سورية المستعدة دائماً للدفاع عن وجودها وقيمها ومبادئها والتزاماتها الأخلاقية والأدبية وأبنائها أينما وجدوا على ثراها بعيداً من الخونة والمتآمرين وهم حفنة، الذين أرادوا الفرار أو قتالها، تظهر دبلوماسيتها وتفاعلها مع أخطر الحروب التي شُنت عليها كدولة، ولو أنها كانت على غيرها لانهارت من لحظة بدئها.

دققوا معي المشهد، أمريكا وأداتها تركيا من الشمال، الكيان الصهيوني وعملاؤه من الغرب، الأردن والمنظومة الخليجية من الجنوب، ودعم أوروبي لا متناهٍ يقف خلف ذلك، وسورية ترفع الصوت في المحافل الدولية، تدعمها روسيا الاتحادية، وما أشبه لافروف اليوم بغروميكو الأمس، وإنذار بولغانين لإسرائيل وأمريكا بالأمس، وإنذار الرئيس بوتين في الأيام القريبة الماضية لأمريكا، المختلف عن كل ما مضى وجود رئيس استثنائي لا يمكن أن تقارنه بأي رئيس مرَّ على سورية، والسبب إدارته لكل أنواع الحروب دفعة واحدة، التي أسقطت على بلده لسبع سنوات، أثبت للعالم أجمع ولأبناء شعبه أنه القادر على إدارتها بالحكمة والصبر والقوة، وتعامل معها من خلال جيش شريف وطني، يتمتع بالإخلاص، وشعب والاه إلى أقصى مدى، عملوا كل هذا، وفاوضه الجميع تحت الطاولة وفوقها، لكنهم آثروا دائماً إخفاءها، وهو أرادها صريحة علنية وواضحة، يطلبون التباحث مع القيادات السورية؛ سياسية، أمنية، وعسكرية، إنهم يحتاجون إلى المعلومات، وسورية تقول لماذا تريدونها سرية؟ ارفعوا العقوبات، وأعلنوا مواقفكم صراحة، تارة يوافقون، ومن ثم ينسحبون، حتى أشقاؤنا الخليجيون الذين انقلبوا علينا يتحدثون أننا معكم أيضاً، من تحت الطاولة كيف بهم يفعلون ذلك؟ حتى إنه وصل الأمر بهم لطلب إعادة فتح سفاراتهم، لكننا رفضنا قبل أن تكون الأمور واضحة وصريحة، نحن لا نريد مراكز تجسس جديدة، تعمل بخبث، إنما نريد علاقات ندية وصريحة. تأكدوا أن إحدى الدول الأوروبية طلبت لقاءً أمنياً وحدث، وكان الشرط أن يكون علنياً، قبلت سورية، وحدثت لقاءات كثيرة في دول أوروبية وعربية، ولقاء أخير في روما، وأثناء الحوار كان هناك رجاء أن يبقى سرياً، وبعد ذلك طلبوا أن تشارك قيادة عسكرية بحرية سورية في احتفالات عيد بحريتهم، كيف يحدث هذا؟ إنهم يتخبطون، الأمريكي الصهيوني يتلاعب بمفاصلهم السياسية والعسكرية، ويلعب معهم ومعنا لعبة حرب الأعصاب التي رددناها عليهم نتاج حكمة وصبر وأناة، وعمل القيادة السياسية والعسكرية والحالة الاجتماعية للشعب الوطني المتمسك بالاتجاه إلى الانتصار.                            

لا مشكلة لدى سورية مع الجميع، المشكلة عند المحيط القريب والبعيد، فسورية تدرك تماماً معنى وحجم الدور التركي التابع كلياً للأمريكي، وهذا ليس غريباً عليها، وإن تعاملت معه سابقاً، فلأن إرادتها كانت أن يتغير، إلا أن الإصرار على التبعية مستمر، والذي يخفف من هذا الدور هو الأدوار الروسية والإيرانية الضاغطة عليه، بحكم المصالح، ووجوده كضامن بينهم، وكذلك الخليجي أيضاً نتفهم أدواره التاريخية، ونقول لعل وعسى أن ينصلح الحال، وليدركوا حجم المأساة، وما سببوه لنا، فسورية بعد تجربتها التي تَخلصُ منها بهدوء متفهمة لعلاقاتها معهم في المستقبل بعد زوال العاصفة، لأن السياسة لعبة أمم مصالح اقتصادية واجتماعية وسياسية، وإن تمت فلن تتم إلا بالإرادة السورية التي تفهمت أدوارهم، وللأسف لم يتفهموا، نحن نسير بإيمان حقيقي بالوطن، وبالله الذي نثق به، ويثق بنا، لن تأخذ بنا أي حرب، فنحن الراسخين في الأرض، رجاله وعياله، لن نخذله، ولن يخذلنا.



عدد المشاهدات: 3600

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى