مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

الحرب الباردة -د. نبيل طعمة

الأربعاء, 25 نيسان, 2018


تسأل الرئيس ترامب.. إلى أين؟ حتى اللحظة التي أخطّ كلماتي، لم أصل إلى معرفة ما إذا كانت الحكمة القادمة من العقل هي التي تحكم أمريكا، أم العاطفة التي تسيطر على سياساتها، وتستحوذ مشاعرها، أو الفرد الذي اعتلى سدة رئاستها؟ حيث يضع بلاده في مواقف ارتجالية ارتدادية، تؤدي إلى الإصرار على اللعب الدائم بوسائط النار في كثير من دول العالم وتحريك مناطقه، كما أننا نشهد من خلال ممثليها في مجلس الأمن على حجم الإساءة لهذا المجلس وهيئته الكبرى واستمرار الزخم السلبي بغاية تقويض دعائم السلم والأمن العالميين واستباحة ميثاقها المتضمن لمبادئها، فهل هذا الذي نسأله إلى أين شخص مغامر مقامر يهوى المال والجنس، يعتبرهما قواه التي يتسلط بها على البشرية، ويشيران عليه بشكل مهيمن بغزو البشرية جمعاء، وإحلال الدمار والخراب وإفقار الشعوب أينما أسقط عليها رؤاه.

كم نتطلع إلى أن يحمل عقله سياسة واقعية وفهماً لمبادئها، وأن يتغلب بها على نزواته وغرائزه، ففي السياسة بند يقول (الحكمة بالحكمة)، والحكمة تفرز العواطف والغرائز عنها، ولا يجوز في أعرافها مزج الفردي بالعام، ألا تدرك السياسة الأمريكية أنها في خطر وأن تصاعد النقمة العالمية عليها في اطّراد متسارع، وذلك بسبب التقديرات الخاطئة؟ ألا يوجد من يوجه إليه في الكونغرس الأمريكي أو في مجلس الشيوخ عن الفشل في فيتنام وكوبا وأفغانستان والعراق والآن في سورية؟ ما سيؤدي إلى إحداث ضربة قاصمة لسمعة الولايات المتحدة الأمريكية، لارتكازها على الكذب ومحاولات تعميمه على أوروبا القديمة الحديثة.

ألا يستمع الساسة الأمريكيون إلى الأصوات العالمية التي اعتبرت العدوان الأخير على سورية ومحاولات غزوها بشتى الوسائل التي نعتت العدوان بالجريمة البشعة التي أثارت العالم بأجمعه؟

الجهل يحبط العواطف، العواطف تحتاج إلى السياسة، السياسة الخبيثة تقتل العواطف، وبدلاً من توظيفها في خدمتها، تهيئ للجهل مساحات أكبر ليتحرك عليها، ومنه أعتقد أن الرئيس ترامب لم يدرس تجارب أسلافه، وبشكل خاص تجربة الرئيس جون كنيدي حين محاولته غزو كوبا التي انتهت بالفشل الذريع، بعد أن أكد له رؤساء الاستخبارات والبنتاغون نجاح عملية الغزو، كما أنه لم يستفد من حادثة الرئيس نيكسون واضطراره للانسحاب من فيتنام، وفضيحة التنصت التي نسجت- وأطلق عليها «ووترغيت»- له نتاج كثرة الضحايا من الجنود الأمريكيين، التي تجاوزت الخمسين ألف قتيل.

أستشهد بالأحداث الماضية عام 1960م التخطيط بدعم وتوفير الحماية الجوية والتأييد لحفنة مرتزقة فاشلة، ما أدى للهجوم على كوبا في 15 نيسان من العام ذاته، وخروج آخر جندي أمريكي من فيتنام نهاية آذار 1973م.

اغتيل جون كيندي 22 تشرين الثاني عام 1963م، وأجبر نيكسون على الاستقالة علم 1974م، والاثنان رحلا نتاج ما قاما به من أعمال شريرة، فكيندي الذي قال: «يجب ألا نفاوض أبداً عن خوف، ولكن يجب ألا نخاف أبداً من أن نفاوض». لاحظوا معي أن الذي عرقل المفاوضات أمام الرئيس أيزنهاور لم يكن الخوف من التفاوض، إنما العداوة للاتحاد السوفييتي وعموده الفقري روسيا الاتحادية، وسعي أمريكا لسيادة العالم، وخلال المئة يوم الأولى من حكم كيندي قضاها في تعلم الكيفية التي ينبغي استثمارها في دراسة التعامل مع الحرب الباردة، هل أدرك ترامب هذه الحقائق؟ وأنه بمحاولة غزو العالم والاعتداء السافر على سورية الذي ضمنه تهديداً نوعياً لكوريا الشمالية، فهل تستسلم كوريا؟

هذا العدوان لم يستطع تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها روسيا الاتحادية، وفي الوقت ذاته لم يقدر أن يحقق أهدافه، سورية لن تستسلم، لن تخضع، لن تركع، ودخوله بإرادة أو من دونها إلى تحريك الحرب الباردة وعدائيته المقيتة طبعاً، وأقصد ترامب لروسيا الاتحادية، ستعصف كما عصفت بسابقيه، طبعاً أقصد كيندي ونيكسون، وأن الباقين الذين مروا على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أخذوا العبر، وأكثرهم أوباما الذي تراجع عن العدوان على سورية في لحظات حاسمة.

ربما الرئيس ترامب الذي نسأله إلى أين، فإنه يسير حسب المثل الأمريكي القائل: إما أن تتبعون وإما ألقي عليكم الفوضى (طريقي أو الطريق السريع).

الروسي، ومن خلفه الصيني، يقفان له عند منعرجات هذا الطريق، يشاغلانه، أحياناً يفسحان له المجال، وأحياناً يعرقلانه، لكنه يبتعد كثيراً في عدوانيته للشعوب الناهضة برغبة المسير وإثبات الوجود من باب أنه مقاول، لا يهمه إلا الربح السريع، يؤمن بالهدم واستغلال فرص الاستثمار في تحقيقه، لم يمتلك مفاهيم السياسة وأدبيات وأخلاق سدة الرئاسة، لنراه يتحدث بلغة غابيّة تسلطية متشدقاً بأن أمريكا الأقوى وأمريكا الأفضل، وعلى الجميع الدفع لأمريكا وطاعتها، وهذا لا يقلل من لعبة السياسة الأمريكية العميقة في اختيار رؤسائها، وهو لا ينسى؛ بل يتناسى الدول التي اعتدى عليها سابقوه الذين ذكرتهم، والآن هو بعدوانه على سورية وتهديده لإيران وكوريا الشمالية، وتقييده لحدوده مع المكسيك، وتحريضه لمعارضات في أمريكا اللاتينية، وبشكل خاص على فنزويلا، وتحفيزه لدول الاستعمار في أوروبا القديمة والشائخة، وأهمها بريطانيا وفرنسا، التي مارست الاستعمار المباشر بجيوش من مرتزقة المجندين من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث تحاول تجديد شيخوختها بأبناء تلك القارات من خلال تهجير الكفاءات والشبان إليها، ومن ثم متابعة استلاب مقدرات دول تلك القارات بإبقاء التخلف وتعميمه.

حرب باردة قرّر اللجوء إليها مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، تحمل جوهر العلاقات السياسية والاقتصادية الكبرى التي يعتقد الكثرة أنهم فهموا معناها من خلال فرد أوراقها فوق الطاولة، إلا أن خطورتها تكمن في تلك التي تجري تحتها ضمن اتفاقات مرعبة يتم تحضيرها لعالم الجنوب، ومن ثم تنفيذها بدقة فيه. أمريكا تربك الأمور العالمية، فأهم ما تمتلكه يكمن في خلق الاضطراب العالمي، تساعدها بخجل أوروبا القديمة، يقف ضدها الروس، ومن خلفهم الصين، الدول المعتدى عليها تقاوم بقوة، تحتاج دائماً إلى رأس حربة لها، تظهرها الظروف القاهرة، وهذا ما نراه الآن من خلال الحاصل مع سورية، بكونها آثرت أن تكون رأس الحربة، فتحملت الكثير، ومن غيرها يقدر على ذلك؟ إسقاط أحدث طائرة والتصدي للصواريخ الذكية من الأجيال الجديدة، فقرار سورية الدفاع عن كامل أراضيها والتصدي للإرهاب المحلي والعالمي الذي تقوده الحرب الباردة ودحره اعتماداً على ذاتها أولاً، وعلى القوى الحليفة الداعمة لإرادتها الحرة في اختياراتها ثانياً.

حرب باردة لا دور فيها للأمم المتحدة، لأنها لا تستطيع فهمها أو التدخل فيها، إلا أنها مع تطور أي أزمة تكتفي بتذكير أعضائها بالقيام بالتزاماتهم بموجب الميثاق، وتطالبهم، شفهياً، بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، قوى القبضة الخمس تضلل الباقين من خلال إظهار تناقضاتها ورسمها للخطوط الحمراء والخضراء؛ أي المسموح والممنوع، وهذا ما يظهر أن لا وجود للبيضاء التي تعني السلام والاستسلام في آن، وهذا حال الدول في عالم الجنوب، وتقسمهم فيما بينها، أما الجمعية العامة فقراراتها غير ملزمة، في النتيجة الشعوب لا تسأل ترامب فقط؛ بل مؤيديه ومناهضيه، هذه الحرب التي أنشأتموها، وأردتم أن تكون عليكم باردة، وعلى بلداننا حارة، تحملكم لعنة شعوبنا التاريخية التي تصيب حداثتكم الاستبدادية، هل سألتم ترامب.. إلى أين؟

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 3674

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى