مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

معايير الاستقرار.... د. نبيل طعمة

الأربعاء, 5 أيلول, 2018


الفضيلة هي الخير الأوحد في حياة الإنسان، والله ليس منفصلاً عن العالم، بل إنه روح العالم، وكل منا لديه جزء من النار الإلهية التي تحرك في داخل الحياة، وعندما تنطفئ يتوقف كل شيء، وهذا ما يرينا قوة هيمنته على الكون، وبسطه للغته الإيمانية، وفردها على جميع مخلوقاته التي جنحت للتصارع من خلال العقل الحديث الذي ليس لديه الحماسة لبناء حياة فاضلة، فإذا كانت الفضيلة هي الخير الأوحد، فمن الطبيعي ألا يوجد أمامها ظلم أو قسوة أو خطيئة، وهذه تمثل لغة غير العاقل، التي مازالت الأمم تكرُّ على بعضها منذ النشأة، وستبقى كذلك، لأن طبيعتها قامت من لغة أريد، ولا أكتفي، مهما كانت قوة الإرادة بالتغيير، إلا أنها تبقى على شيء مؤمنة ببقائه، وإلا فسينتهي كل شيء إلى الإبادة.
بماذا يتميز الإنسان المتمدن عن المتخلف لحظة الحاجة لبيان الرأي؟ فالذي يضيء يجيب بسداد، أي إنه يشير إلى مكامن الخطأ، أو توقع حدوثه محتملاً الآلام من أجل تحقيق السعادة، ليس له فقط، وإنما للمجموع العام، فيكون وقتئذ متمدناً.
يقول المتمدنون العاملون للحياة: نحن نعمل مع الله، وننبئه بالتتابع بكل متاعبنا، لأننا لحظة خلوتنا مع أنفسنا وتأملنا في الحاصل نجلس إليه، نتبادل معه كامل المعضلات، يؤيدنا في المسير إلى الحلول، عندما يجف الإيمان، ويظهر التدين يبدأ الخلاف، ويعمل الشر على كامل مساحات الحياة.
كيف بنا ننقذ روح الحياة المتوزعة في أجسادنا من آثامنا؟ كيف بنا ننشد الاستقرار أولاً، ونعمل له كي نستطيع توليد الفضيلة، ومن ثم رعايتها وحمايتها من جهالة محيطها، كي تقدر على فرد ضوئها عليه.
هل اشتغل الإنسان على البحث في التاريخ ونبش صدق التأريخ، وأن يخلّد في صدور الحق، وأن يصور من خلال الحدق قيم الحق والعدل قبل التدوين على الورق؟ فأي أمة لا تمتلك تاريخاً ثقافياً وعلمياً وروحياً وسياسياً بشكل خاص، لا تقدر على تحقيق آمالها في السلام والأمن والحرية، فأصالتها تبنى من أصل آرائها وآثارها، تعلم أبناءها بأن مناقب أجدادها وصلوا إلى معالي الهمم، وتركوا لأعقابهم أي لنا تراثاً خالداً مثل العزة الشامخة والأسس الراسخة، فكانوا بذلك مأثرة البشر في الأرض، والعدة للباحث عن امتلاكها، والبيّنة القاطعة للسائرين على طريق المجد، فإذا أحسنَّا الإفادة كانت لنا المعجزات المفعمة في حقنا بالاستقلال، وقدرنا على العمل في الأعصر المستأنفة ما علمناه في تلك المواقيت السالفة، وهذا يتطلب أن نشق سبلنا، ولا يكون هذا إلا بالاعتماد على ذاتنا.
ما معنى دين جديد أو متجدد، ولسان حديث وأوضاع تبحث عن التكامل والتجانس، وشعب يطور وجوده ومبادئ وقيم وحريات ووطن كان فيه استقرار غير مكين، تناهبت ثغراته العواصف، فراح يلملم استقراره، يريد أن يكون في الغد، كيف يكون فيه؟ هل يعود إلى قديمه أو ينتظر العاصفة أم إنه تعلم مما مر معه بأنه جديد، أو إنه يركّب خلطة من كل شيء ماضٍ وحاضر وحديث؟ وما معنى أن يكون كل هذا أمام ما يحتفظ به الإنسان في ذاكرته من أفكار دين ووطن ومجتمع وتاريخ وجغرافيا وآباء وأجداد وأحفاد؟ ما هذا الواقع وكيف نتعامل به؟ لماذا لم يتخلَّ السوري عن سوريّته والروسي والصيني والألماني والفرنسي والإنكليزي والكوبي والإفريقي والأرميني والفنزويلي؟ كيف بالتأريخ يغزو التاريخ؟
دعونا نتوقف ونراجع كامل ما جرى، يدوّن الأقوياء والضعفاء الخيّرون والأشرار على سطوره الاحتياجات والأحلام والآمال، وتناوب عليه كل من هبّ ودبّ، لم يكن فيه دور للمسالمين البسطاء، المسألة تكمن في نتائج ذاك الغزو وتلك الإنجازات، طبعاً الغزوات كانت بوذية على البوذية، وهندوسية على البوذية، ومسيحية على الإسلامية، وإسلامية على الكل إلى حدّ ما، والذي نناقشه الآن غزو الإسلام لبعضه مستعيناً بمن يعينه بوذياً أو هندوسياً مادياً ديالكتيكياً وجودياً علمانياً رأسمالياً، الكل وصل كي يكون ضد بعضه، كان أو غير ذلك، المهم من كل ذلك: من يقف وراء كل ذلك؟
هل جاء الوقت ليتجدد إنساننا من خلال تجديد مبادئه التي اعتراها الكثير من الخلل، ودينه الذي حوله إلى عادة وظهور بعد أن كان عبادة وتسامحاً وخشوعاً، وأوضاعه إلى استكانة؛ بل إلى استسلام للواقع، لتغدو المسألة مسألة وطن.
هل يقدر الإنسان أن يحتفظ بأعزّ ما يمتلك من إيمان بمجتمع ووطن وقيم؟ أم إنه توقف أمام المغيرين عليه من عرب وعجم، الذين هاجموا قلب العروبة وعروبة الدين؛ بل الأديان والإثنيات والطوائف والمذاهب المنصهرة في بوتقته تلك، وهذه التي تعلن عن وطنيتها أولاً، والتالي بعدها يتجه إلى الاستمرار في البناء، لأن لغة الهدم تعني مباشرة أن لا وجود للاستقرار، والاستقرار مقرر ندرس فيه معاني بناء الوطن وأدبياته وأخلاقه، وهو من الأهمية بمكان، بحيث يدعى الجميع للتمسك به مختلفين كنا أم متفقين، لأننا نجد فيه الدولة والوطن والدين الجوهري والرابطة الاجتماعية، وهذا ما ينبغي نشره وتعميمه في البناء الذاتي للشخصية الوطنية.
إن أي وطن مهما حقق من تقدم وبنى القوى الاقتصادية والعسكرية وحتى الأمنية، ولم يملك القوة والإرادة السياسية اللتين توفران له الروابط ومنها يظهر الاستقرار، يبقى عرضة للانهيارات والسقوط أمام العواصف والأزمات، وإذا حصل وامتلك فنون السياسة وأحابيلها، واجه المؤامرات من حنكتها، لذلك نتجه إلى سؤال معاً: متى يشعر الإنسان بأعباء المسؤولية الوطنية وبخطورة المواضيع التي تعبث بوطنه ومواطنته، وبدقة المرحلة التي تأخذ به لتجاوزها؟ ومتى يشعر بالتضامن التام، ويدخل مرحلة اقتحام العقبات وتذليل الصعاب ومكافحة الدسائس؟ هل هي مسؤوليته وحده؟ أم إن الواجب يدعو الجميع للوصول إلى عملية التضامن والتضافر وربط جميع المؤسسات بشكل هرمي نوعي ودقيق وإدراك طبيعة العمل الإيجابي الذي يتطلب جهوداً كبيرة أمام طبيعة العمل السلبي، لأن التطلع إلى المستقبل الأفضل يحتاج إلى الاستقرار، هذا الذي يدعو كل ما نملك من طاقات فكرية وأنشطة ثقافية ورياضية، أن يفسح المجال للابتكار والتقدم مع التجرد عن العبثية والتقدم معاً بعد إنكار الذات، هل هناك من لا يريد الاستقرار؟ أعتقد أن الإجماع على هذه الفكرة بنعم، فالذين يريدون استمرار التخلف والجهل متوافرون بين القوى العظمى وعلى رأسها أميركا لأن إنهاك الشعوب ووجود عدم الاستقرار يمثل أهم أولويات الصراع والتنافس بين عوالم الجنوب والشمال بين ما كان قديماً وما صار حديثاً.
إن مزايا الاستقرار تحضر من صفات القادة والساسة، وأكثر ما تتجلى حين ولوج الأحداث الجسام والمواقف الحرجة والأزمات الشائكة، فالوطن الخلاق يمتلك مصانع الرجال التي تبني الوطنية، وتُعلي شأنها في ذوات أبنائها الذين يرسمون خطط الوصول للإبداع والعبقرية، ويعملون على تعزيز الوحدة الوطنية وإيثار الفداء ورد الوفاء لمن قدموا الوفاء، هذا الذي ينشده مجتمعنا، ويسعى إليه، فأي معيار لا يمتلك الإيمان الكلي بالوطن، يفقد مصداقيته ليكون إنسانه ضعيفاً فلولاً متقبلاً لما يحصل أو بشكل أدق للانهيار، وهذا ما ليس عليه إنساننا الذي استثنى وجوده، فتفوق على أزماته بفضل قوة وحكمة سياسته المقودة بدقة رغم هول العواصف التي أخذت بالانحسار، وأخذ الاستقرار يشق طريقاً مهماً، لكي نحضر جميعاً تحت مظلته.

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 3929

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى