مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

العروبة والقومية | د. نبيل طعمة

الأربعاء, 19 كانون الأول, 2018


وعلاقتهما بالعرب واللغة العربية والتطور مع التقدم إلى الأمام والانعزال والدعوة من الأطلال تقودني إلى أن أسأل مباشرةً: من أين يحبر العقل لسانه لينطق لغة قومه؟ من يلهمه؟ القدر أم المحيط وسنون نهوضه؟ ممَّ تتشكل؟ أقول: من الزمن الذي يرينا أين نحن، ومع من نحيا؟ أمام الحياة الحرة الكريمة، أم من تجمع الأفكار التاريخية؟
هل الطبع قوّام على التطبع أم العكس؟ فأنا أكتب بلسان قومي، وقومي عرب، لأكون معنى، وهم أي قومي مبنى، فأنا أكون بفضلهم، وهم يتعززون بفضلي، ينتشر المعنى من المبنى، فيكون المعنى في كل مكان، لكن المبنى واحد، وإذا كانت الأمة معنى، وقوميتها مبنى، فهي حقيقة قائمة لا لبس فيها ولا جدال، وإن كانت في حالة تصارع على المبنى وهذا الحاصل، فيبدو أنها بحاجة إلى علاج نفسي فلسفي، لأن السياسة تتلاعب بالمنطق، وهي تتكلم بأنصاف وأرباع الحلول.
برأيكم هل الدين الإسلامي حل المشكلة أم إنه عقّدها؟ وهل عروبة المسيحية متفقة مع عروبة الإسلام؟ أيضاً أسأل: أين رسالة العرب للعروبة؟ وبرأيي بما أنه لا رسالة، فالشعور القومي غير حقيقي، وإن نما فنموه منقوص، وما دام العرب يطيعون معتقدهم بالتسليم المفرط، ويقدمونه على الحقيقة، فهم في تخلف فكري وقوقعة عقيمة، لأنهم لا يرون الحقيقة، ويقدمون كل شيء عليها، العروبة لغة العربي الفكرية لا اللسانية، فإن آمن بلغته العربية قادته تلقائياً إلى قوميته، هذا الإيمان الذي يعتبر من أهم مقومات الأمة، إن لم يكن في أول مقدماتها لأنه مقوّمها.
افصلوا بين الدين والقومية، دعوا الخالق يحيا في جوهر المخلوق كما يريده مخلوقه، فسبب غموض الصيغة القومية لدى الشعب العربي هو أننا أدخلنا فيها عصر الدين المسيّس، ما أربك كثيراً أفكار التطور وحركة العقل ولغته البصرية ونطقه بالعربية، وأخذ بإنشاء عملية تصارع مخيفة بين الدين والقومية، تارة جلية نراها بوضوح، وثانية خفية تنهش في جسد الأمة، فإذا كان الدين ضرورة لتهذيب الجوهر، فإن القومية ذاكرة وذكاء جيني يؤديان إلى إيجاد الذكاء الاصطناعي، وأيضاً أقول: إن الدين علاقة عمودية سجودية، بينما القومية علاقة أفقية حركتها في الاتجاهات كافة، غايتها الحياة والإنسان والإنتاج والإبداع، وما أدور حوله قائم منذ تأسيس الدولة العربية، وهو في الوقت ذاته موضع جدل وبحث وحوار إيجابي وسلبي في آن، وأيضاً هو مستمر، لأنه لم يصل رغم كل ذلك إلى الحلول الناجعة، وفشل في تحديد الهوية السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، ولا ألقي باللوم على الخطوب والأحداث الجسام التي عصفت ومازالت تعصف بهذه الأمة؛ بل على القيادات السياسية ورواد الفكر والقائمين على الأديان، فهم إما توابع للخارج، وإما ناقلون للفكر الخارجي، وهذا ما يظهر لنا المشكلة الحقيقية التي تعانيها العروبة؛ ألا وهي مشكلة القومية، التي كلما أخذت في النمو ضربها القادة العرب من تضاربهم حولها واختلاف تطورهم الفكري ونضوجهم السياسي، وتفحّصنا الآن للمشهد العربي يرينا حجم التقلبات إقليمياً، وعلى مساحة الأمة من المحيط إلى الخليج، فعندما ينعدم التفكير القومي التحرري تظهر الأفكار الانفصالية والاتجاه إلى بناء التحالفات التي تجسد الشكل التبعي، ويؤدي إلى الانحراف بالأفكار الاجتماعية، وهذا كله مرتبط بالدعوات العاطفية التي توسمت بها المجتمعات الموغلة في الروحية، من دون القدرة على التعامل العلمي أو امتلاك فلسفة السياسة وفهم مقتضياتها.
لنعترف أننا أمة لم تقدر حتى اللحظة أن تختص بوجودها، أو أن ترسم لها مساراً يكون خاصتها، وأن أمورها مازالت مختلطة عليها، فهي في المركز من دون تحديد الاتجاه، ولو أن العرب أدركوا قيمة وقوة القومية، وعملوا لها، وتمسكوا بها، لكانوا قدموا للعالم أنموذجاً إنسانياً نوعياً، ولقدروا على إنجاز تضامن فريد، إن لم يستطيعوا تقديم وحدتهم عملياً رغماً عن تجزئتهم التي من خلالها استطاع الفكر الاستعماري القديم والمستمر بشكله الحديث أن يمارس ضغطه عليهم، لإبقائهم ضمن تخلفهم العلمي والإبداعي وعدم قدرتهم بالالتحاق بالركب الحضاري، فأعداء العروبة هم أعداء القومية وأعداء الإسلام، هم أعداء القومية، لأن العروبة والقومية وحدة واحدة، وأبعاد هذه الحقيقة العرب ولغتهم العربية، وعدم التمسك بهما أدى إلى فرط عقد الأمة وتشويه لغتها وديانتها الإسلامية، فالقومية تشكل السند المادي والمعنوي للعروبة، وما تضمه من ديانات وإثنيات وطوائف، وهي الوحيدة القادرة على تمكين الأمة وصولاً إلى الكرامة والتحرر، ومن ثم الانتصار، لأنها تستند إلى مقومات الوحدة المتوافرة جغرافياً ولغوياً وثقافياً وتاريخاً متراكماً، حيث كانت منابع ثرة لإنسانها.
في الفترة الأخيرة ظهرت دعوات كثيرة لفصل العروبة عن الإسلام، كما هو حال العروبة التي دعا كثيرون لفصلها عن القومية، بحكم تنوع مجتمعاتنا، وهذا أوصلنا للوقوع في إرباكات خطرة، وأظهر قصوراً فكرياً في معالجة المسألة القومية، لأنه وحتى اللحظة يبدو أن هناك عدم فهم لما يجري على الساحة العالمية، ربما كان الواقع مقبولاً قبل قرن من الزمن، أما اليوم فيحمل لنا كماً هائلاً من الصراعات الاجتماعية والاقتصادية والإثنية والدينية التي تعتبر جميعها بذور حروب سرعان ما تنمو، ووصلت إلينا كمتفجرات، أقف عندها لأسأل: كيف نعالج مسائلنا، وبشكل خاص مسألتا العروبة والقومية؟
إن مكونات أي شخصية هي العقل ولغته والروح، حيث تتشابه تماماً مع مثلث القداسة؛ توراة، إنجيل، قرآن، فإن استسلم المثلث الأول للثاني، ودخل متاهات التسليم، ابتعد المثلث الأول عن الحقيقة، وإن قام بتحليل الثاني وفهم مسببات حضوره في الجوهر الإنساني، عرف سبل قيادته وشكمه إليه، وظهر يسر العلاقة الحياتية، وأنَّ بها جدليات قيامة الأمة من فنائها واستمرارها، من توقفها وتخلفها من تبعيتها، وتكون شخصيتها من جذرها لظهورها وفهمها لحركتها الأفقية واحترامها لعموديتها.
إلى ماذا نريد أن نخلص من خوضنا غمار ما نرنو إليه؟ مؤكد أن القومية امتلكت مع العروبة كامل مقوماتها، وتوافرت لها جميع الظروف، إلا أن الإشكالية التي وقعت فيها أنها لم تمتلك العبر مما وقعت فيه، وكانت جلية جداً، وهذا يعني أنها لم تمتلك تكتيكاً ناجعاً رغم وجود إستراتيجية هذا التكتيك الذي أوقعها في ميدان التسابق بين الالتحاق بركب الشرق أو الغرب، والتوهان بين الحال الديني العروبي والقومي العروبي، ونتيجة هذا التنافس فقد المشهد العربي بكل تنوعاته خسائر هائلة، أدت إلى العودة إلى المفاهيم القديمة وظهور تيارات دينية مثل الدعوات إلى السلفية والصوفية والمغالاة في الحزبية، التي أيضاً أفقدت بريق العلمانية، التي كادت تتألق في العديد من الدول العربية، انهيار البعث في العراق، والاتحاد الاشتراكي في مصر وفي تونس، هذا المشهد البائس الناتج من تصرفات الفكر العربي، وعبث مدَّعي القومية والعروبة بهذه الحقائق أدى إلى نشوء الصراعات العنيفة، لأن التطرف في العلمانية والمغالاة فيها أدى إلى نشوء التطرفات الدينية، والنتائج منظورة الآن أمام أعيننا.
إن سورية الآبدة المستمرة عروبياً، قدمت معظم الديانات للعالم بأسره، التي منها انسابت الديانتان المسيحية والإسلامية، وأول دولة سياسية إسلامية في العهد الأموي كان مستشاروها من جميع الديانات، وهذا ما أدى بها للحفاظ على العروبة وتجسيد القومية التي كانت تتناهبها بين حين وآخر، فها هي تعود اليوم لتعلي هذا العنوان الذي تعتبره من أهم مقومات بقاء العرب والعروبة، فهل وعى العرب إلى أين ذاهبون من دونها؟



عدد المشاهدات: 5199

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى