مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

بعضٌ من أمريكا- د.. نبيل طعمة

الأربعاء, 24 نيسان, 2019


شيطنة عالمية فريدة، امتلكت أفكاراً تربعت على سفود من الأحقاد، تشوي بها وعليها الشعوب، وتدفعهم بها حيث نجدها، بنت عرشها على أجساد وجماجم ملايين الضحايا، مصرةً على الاستمرار في هذا النهج، صحيح أنها امتلكت نواصي العلم، لكنها استلت سيفه، وأخذت تحوّل كل من يعترض حضورها إلى جثث هامدة ودمار مريع.

إنها العدو المجهول والمعلوم للبشرية جمعاء، في آن تشعر به ولا تحسه، وتراه ولا تراه، نعم قامت أمريكا كقيامة البعث الروحي، بعد أن جرفت كل مال أوروبا، وأخذت تقتل وتبني، إلى أن وصلت إلى ما هي عليه، وهي مستمرة في ذلك، إلا أنه مادي صَرف، وجميع المحاولات التي سبقتها في أوروبا كانت بدائية، ولم تحظَ حتى اليوم بأي اهتمام من الباحثين أو المؤرخين، على الرغم من العديد من ثوراتها البخارية والكهربائية، فما قدمته اعتبر طليعة النهضة العالمية المادية، ولم يسبقها حتى اللحظة أحد في تربعها وهيمنتها على العالم تقنياً وفضائياً مع ثورة الاتصالات. هذا الذي خلقت فيه صراعات جمّة مصرة على أن الصراع صراع دائم، ليس بينها وبين المكافئ لها، بل بينها وبين الأضعف، فهي تعتبر حضورها واعياً، وينبغي لها أن تصارع اللاوعي، الذي يشكل لها الأذية، لذلك كانت جميع صراعاتها تنطوي على تحقيق المأساة للآخر، إذ لا يمكن أن تحرز إحدى هاتين القوتين على الأخرى نصراً كاملاً أو شاملاً، من دون أن يفضي ذلك إما إلى الموت، وإما إلى الجنون. الصراع بين الوعي واللاوعي، ليس هو في الحقيقة إلا صراعاً بين الصورة الأمريكية الواهمة، التي ترخي بظلالها على العالم، بأنها تمتلك الوعي وفائضه على الصورة الحقيقية لحياة البشرية ومتطلباتها.

هنا لا أقدم وهماً، إنما أقارب بما أخطّ فهم آليات عمل هذه الدولة الاستثنائية في الإغراء والإغواء، وقوة صلفها لا مثيل لها من أجل ماذا؟ الغاية إفقار الشعوب واستلابهم سيادتهم، وجعلهم تابعين لها.

إن أمريكا القابعة في ذاك المكان البعيد من العالم كقارة استثنائية، أسست من إعلان ولادة نظام عالمي جديد 1776، وطبعت ذلك على الدولار الذي ليس له مكافئ إلا القوة التي تتمتع بها، تشبه المروحة التي لا تقدر على تحريك المكان، إنما مهمتها تحريك الهواء الموجود فيه وحوله والتدخل في تدفقه أو منعه، وهي الوحيدة التي تتحدث مع جميع دول العالم من دون استثناء مؤيديها ومعارضيها، إن لم يكن مباشرة، فهو غير مباشر، وإن لم يكن فوق الطاولة، فهو تحتها حكماً.

دققوا في من صنع الإيديولوجيا الشيوعية، فإنكم ستجدون أنّ العقل الأمريكي العميق هو من قام بتصنيعها ورفعها لدرجة مساواتها به، ومن ثمّ رمى بها من موقعه حتى تلاشت، وفعل ذلك أيضاً في تصنيع جميع الحركات الهدّامة؛ إسلامية، مسيحية، يهودية، وأعلت من شأن الأمة الإسلامية، وها هي تهدمها من خلال التهويل الهائل على العرب والمسلمين وتخفيفهم كي لا يبتعدوا عن سطوتها، لأنهم أخذوا بنواصي العلم والاتجاه لتحقيق الاكتفاء الذاتي، لنجدها تسأل إلى أين أنتم ذاهبون؟ وهي التي تريد أن تعيث في عقولهم جهلاً، وتعبث بنفوسهم بتوجيههم إلى الفساد، وتعصف بأرواحهم ليسكنها الخوف، وتضعف مواقف الأحرار منهم، إلى أن تغدو مواقفهم حرجة، وإذا انفجروا كانوا بلا فاعلية، إنها تمنع تعزيز أي استقلال سياسي أو اقتصادي، أو حتى فكري، ليس في بلادنا، وإنما في أي بلد في العالم من دون استثناء، فهل يعقل هذا؟ قد يتساءل المرء، ويحق له هذا، هل تقدر دولة على فعل كل هذا؟ دولة تنشئ المتاعب والآلام، وتتهافت على نسف القيم والأخلاق، تنتج الطغيان الباطل، تصدره لترمي به الحق، وتشيع الظلم على العدالة، والاستبداد على الحرية، والخيانة على الأمانة، والغش في كل شيء، دواء وغذاء وكساء وثقافة وسياسة، تدخل الشك في قلوب البشرية، فيفقد الناس ثقتهم في الفضيلة.

هل شهدتم انسياق الرأي العام العالمي إلى مؤازرة الصهيونية واعتدائها على كامل الأمة العربية، وليس فقط اغتصابها لفلسطين واختراعها لمفهوم الهدنة الكاذبة التي تسوقها في بلدان العالم، فما من دولة بها إشكال إلا ويكون فيها مبعوث يعمل لحل مشكلتها التي يعقدها أكثر، لقد خلقت روحاً غريبة أسكنتها في مباني وهيئات الأمم المتحدة، ومنظماتها تجابه العالم أجمع، إلا الغرب وأمريكا بشكل خاص.

دولة أطلق عليها العالم بأنها عظمى تتربع على عرش دول كبرى، وتقود من خلالهم دول العالم الأصغر، وصولاً للصغرى، لماذا حملت هذا الاسم؟

التقيت ذات مرة صديقاً لي يعمل في إحدى سفارات أمريكا القائمة في الدول العربية، كان مسؤولاً في دائرة الشؤون الثقافية، ودار حديثنا حول لماذا هي عظمى؟ وتابع: إننا نقرأ ونسمع ونشاهد ما يصدر من صحف ومجلات وإذاعات وتلفزات، نحلل الغث والسمين، ونقوّم ونترجم كل صغيرة وكبيرة، ثم نرسلها إلى إداراتنا في أمريكا، كل هذا تفعله جميع السفارات في العالم، التي ليس فيها سفارات أو قنصليات يقوم العملاء بهذا الدور، وبهذا تمتلك أمريكا أهم المعلومات عن الشعوب في بلدانها، حياتهم، حركتهم، أفكارهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، وصولاً إلى الساسة، حتى كيف تكون درجات نشاطهم، وما يحبون، وما يكرهون، ولهم عملاء في مفاصل أي دولة، يدفعون لهم من دون انقطاع، مقابل معلومات، ولذلك عندما تتقدم للحصول على طلب زيارة أو سياحة تجد الرفض، وله أسبابه، أو القبول بعد أن يكونوا قد طابقوا جميع المعلومات حولك، وتابعنا الحوار معاً، وقال: إنهم يؤمنون بالله القوي الذي يحب الأقوياء، فالضعفاء فقط يعتقدون أن الله ضعيف، ويحتاج إلى نصرته منهم، فهل يعقل هذا؟

هل نتعلم؟ وأتجه ليس لشعبنا فقط، وإنما لشعوب العالم أجمع، إنها تلمّ الأفكار، وتعيد إنتاجها بحكم توافر المختبرات لديها، وتراكم المعلومات عن الشعوب، فتعرف كيف تغزوها، أو تشعل النيران فيها، تبحث عن المفيد لها من الأفراد، فتغريهم وتحولهم إما إلى علماء، تستثمرهم بالشكل الأمثل، أو عملاء توظفهم لحين الحاجة، وتبحث عن ضعاف النفوس، فتجعل منهم خونة ومارقين، تنجز معهم معارضات مأجورة، سياستها فرِّق تسد، وبها تسيطر على أوروبا، وتشاغل روسيا، وتربك الصين، ولم تدع بلداً إلا وزرعت فيه قاعدة تجسّس أو قاعدة عسكرية.

هل نتعلم؟ ينبغي علينا أن نتعلم، صحيح أن أحداً على وجه الأرض لا يمتلك قدراتها، إلا أنّ الإيمان بالتطور والعمل لهُ يوصل إليه، أمريكا ثلاثمئة وستة ملايين نسمة، يحكمها خمسة ملايين ضمناً، تديرهم السياسة العميقة التي تريد لها أن تكون كذلك، وفهمكم كفاية.

يظهر رئيس ويختفي، والسياسة واحدة، وللعلم إن أكثر من ثلاثمئة مليون أمريكي هم من أصول دول الأمم المتحدة ومن غيرها، فجيشها أكثر من تسعين بالمئة من طالبي الإقامات أو الموعودين بالجنسية، وعشرة بالمئة هم من الأمريكان، إلا أن جميعهم لديهم انتماء أساسي لها، نتاج وجود قانون استثنائي يمنح الأفراد الحرية، ويستغلهم في آن.

ما يهمنا من هذا الاستعراض هو هل نتعلم؟ مؤكد أننا دول صغيرة باحثة عن الأمان، ونريد التطور، ولا نرغب في الحروب، إلا إذا فرضت علينا كما هو واجبنا الوطني، الذي يستند إلى كفاح أي اعتداء أو إرهاب ناشئ أو متمرس، ومقاومته بكل السبل المتاحة والدفاع عن السيادة والاستقلال بالعلم والمعرفة، لطبيعة التضاد مع الآخر، حتى وإن كانت أمريكا.

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 3965

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى