مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

تطوير الثقافة... د. نبيل طعمة

الأربعاء, 24 تموز, 2019


الضرورة تدعونا للأخذ بها ووضعها على السبل المتقدمة، باعتبارها من أهم العناصر الجوهرية في بناء الإنسان ضمن المجتمع الحديث، فهل يكفي الفرد تمتّعه بظاهرة التثقيف التلقائي الذي يكتسبه، ويتحول إلى الشكل الطبيعي في صورة أي مجتمع، حيث يبقى بدائياً من دون تحديد، لا يمتلك شكلاً أو معنى سوى أنه ورثه؟

ما معنى الشكل الحضاري؟ أليست الثقافة تمثل الصورة الحية بكل أبعادها وألوانها وحركتها وسكونها للإنسان؟  ما يظهرها على أنها متجانسة العادات والتصرفات، ومنها تغدو عبقرياتها متقاربة، وتقاليدها متكاملة، وأذواقها متجانسة، وعواطفها متشابهة، ولينها تملؤه الطيبة لا الضعف، وقسوتها حكيمة، وأحلامها منطقية لا اصطناع فيها، وفي المجموع العام هي وحدها المسؤولة عن إرخاء مسمّى الحضارة على شعب يتمتع بكل ما ذكرت، لتعود عليه مُشكلة له منهجاً تتطلبه الحياة العامة، فتتطور آليات التفكير من خلال تلاقح الأفكار، وكل هذا يمنحنا فرصة القول عنها: إنها ليست علماً من صنوف العلوم، إنما هي المحيط الذي يحيط بالعلوم، وهي ليست مظهراً أو سبيلاً، ليغدو بها المرء شخصية بارزة، لأن في هذا انحرافاً عن جوهرها المنشود، منه الوصول إلى الآخر وانعكاس الصفات الأخلاقية والقيم الاجتماعية التي تصبح لا شعورياً رابطة سلوكية تربطه بأسلوب الحياة في الوسط الذي يحيا فيه، لأن السلوك الاجتماعي للفرد خاضع لأمور أعمّ من المعرفة، وأوثق صلة بالشخصية، وهذا بحدّ ذاته ما يمايز الثقافة عن المعرفة وعن العلم.

لم ندرك فيما يبدو أن الأميّة الفكرية والجهل بنظم بناء المجتمعات أخطر بكثير من أمية القراءة والكتابة التي تخلصت منها أمم كثيرة، وبنت على آثارهم قيمها وتحضّرها من خلال تطوير شخصية أفرادها، وكل في منحاه، والشعب الذي يفقد عناصر من ثقافته يفقد تاريخه أيضاً، لأن الثقافة تراث إنساني وفلسفة استثنائية، أي إنها ليست نظرية معرفية أو معادلة علمية، فالفرق شاسع بين الثقافة والعلم، إلا أن تعليمها على أسس صحيحة أكثر من مهم، ولنا في تنوعها بين الأفراد والمجتمعات خير دليل، هذا التنوع الذي يظهر لنا أثناء البحث الظروف الثقافية التي ولدت من كل نوع، ثم المحافظة عليها كإرث أو كأصل يعطي بداية العادات والتقاليد والأسماء، والمضاف إليها بحسب ما كسبته، وما تستدعيه ظروف تطور المكان والإنسان في آن، وليس حملها أو التأثر بها معيباً، لكونها ماضياً، ولا يمكن أن ننكر الماضي، لأنه بعضنا، وفي بعض الحذر والحفاظ عليه فيه بعض الوفاء، كما هو الحال في الحاضر الذي يدعونا للوفاء له بحسب مستجداته.

أقدر أن أصنّف الثقافة على أنها جزء مهم من كلية العلوم الإنسانية وتراثها، وإذا كنا نرى أو نجد في الوراء خيراً، فعلينا الاستعانة به، كما هو الحال في نظرتنا إلى الأمام، وهدفنا الوصول إلى الخير فيه، وهنا أشير إلى أن كل إنسان يحيا على أرض أنجبته ثقافته التي يباهي بها في كل زمان، وأينما حل، وإلى أين ارتحل، له فيها ما يمايزه، وهو يذهب عن وجه الأرض، وهي مستمرة باقية لا تفنى، لذلك نجدها ملتزمة بإظهار الوجود المستمر، ونشاطها غايته إنساني محض، وحقيقة أي تطور لا يكتمل إن لم تكن الثقافة أحد عناصره، لأن التطور يحضر من الجوهر، بقدر ما يتحرك الدافع في الإنسان لإحداثه، وهنا أقول عن الثقافة إنها ارتقاء من القاع، تجتمع مع الدعوة من القمة المسؤولة عن عاملي تطوير الثقافة والمجتمع في آن.

كيف بنا نظهر إرثنا الثقافي من أجل فرده ومناقشته وفرزه والعمل حثيثاً على إيجاد البنى التحتية التي نقدر أن نبني عليها صورة جميلة وحقيقية، ومن ثم العمل على دمجه بالفنون وتأطيره بفلسفة العلوم وحركة المهن الاجتماعية لمواكبة حاضر البشرية الذي يقترب بشكل سريع من إنجاز ثقافة عالمية، ومن أجل أن نكون قادرين على الانتماء إليها.

هل وصلنا إلى درجة من الوعي الثقافي الذي يؤهلنا لاستيعاب حضورنا فيها؟ ونحن لانزال نسأل أنفسنا: إلى أين ننتمي؟ إلى ثقافة دينية، أم ثقافة طائفية، أو قبلية عشائرية؟ أم نتلطى خلف ثقافة الغرب الاستعمارية، أو الشرق البعيد عنا، أو ثقافة مقاومة التخلف والتبعية؟ لاحظوا ودققوا أننا لم نقم حتى اللحظة بأيّ تطوير ثقافي يخصّ المهن، ففلاحونا سوادهم بدائيون، لأنهم لم يصلوا إلى لغة المزارعة، فنراهم ينتظرون ماء السماء، وصيادونا كذلك يستخدمون الديناميت والصنارة أو الشبكة، وعمالنا أطلقنا عليهم صفة الكادحين، ونخاطبهم على أنهم خشنون، ويحتاجون لغة الخشونة، وطبيعة العلاقة بين الأجيال مفقودة، ناهيكم عن انهيار الروابط بين الطبقات الاجتماعية وسواد المجتمع يتمتع بلغة المفرد، وأهدافهم شخصية بحتة، ونرى الشعوب الأخرى وقد طورت في لباسها العملي وحركتها وأدبيات التعامل بين أفرادها وفكرها الذي حدثته ثقافياً كي تظهر بالشكل اللائق، يرمي علينا الأزمات والاضطرابات، والذي نمر فيه الآن يرينا واقعنا بشكل واضح.

هل دور الثقافة إنجاز كتاب، أم إدارة مكتبة؟ أو مؤسسة سينما، أو مركز ثقافي، أو التدخل في بناء شخصية الإنسان من الطفولة إلى الكهولة ومراقبة تطور المجتمع وتقويم أي انحراف فيه بسرعة علمية؟

هل شهدت ثقافتنا تدخلاً في الأفكار الأسروية ونظم التغذية وعلاقة الأسرة ببعضها وسبل الوصول إلى الأناقة واللباقة؟ هل انتبهت الدولة الوطنية إلى ضرورة البحث في الحالة الثقافية البدائية وضرورة علاجها بالصدمات التربوية؟ لأن السائد في نظمنا التربوية تخلفي لدرجة كبيرة، وهي القادرة وحدها على تشكيل معين من التحضّر الذي تنهل منه الأجيال، وإدخال الشعب كله في هذه العملية بعد اطلاعه على الاتجاه المنشود للأخذ به، واعتباره منهجاً جديداً لبناء الإنسان، ومحركاً لقوى الفرد والمجتمع، والنهضة التي نرومها اليوم تحتّم علينا الانعطاف في ضوء ما شهدته حالتنا الراهنة، التي تحدد مصيرنا ومستقبلنا، وإذا أقررنا أن العالم يحفّز النشاط والإبداع والإنتاج، وأيقنا أن السبيل الوحيد لإيقاف التدهور وتشعباته يكمن في تطوير الحاضر استعداداً للمستقبل، فعلينا إذاً الانفصال عن رواسب الماضي والاتصال بالحياة مباشرة.

ما بالنا نستخدم في ثقافتنا مفردات ونتعامل معها ونرددها مثل: كادح وفلاح ومناهض ومؤيد ومعارض وطائفي ومذهبي وملحد وكافر وتابع ومناطقي وقبلي وعشائري، بدلاً من أن نستخدم مصطلحات: متطوّر وحديث ومؤمن ومواطن ووطني ومنتج ومزارع وفنان ومبدع وخلاق وملتزم!

إن عملية تطوير الثقافة تحثّ على فرد الواقع وإجراء مصارحات حول الماضي، الذي نستحضره على اعتباره أداة قابلة للإصلاح، لا قوة ينبغي لها أن تبقى، وهذا يعني بالتوافق على تحديد ما نريده في المستقبل القريب والبعيد، وأن نستطلع أفكار الجيل الشاب، ونستلهم منها الرؤى التي تجيب عن كثير من أسئلة يبدو لنا حتى اللحظة لا نعرف أجوبة لها، ومادامت الثقافة في تعريفي لها حباً وثقة، فلا شك أنها ستنجب انتماءً وإخلاصاً وولاءً وأداءً، فإن أجدنا بناء الحبّ والثقة استطعنا أن نعلم ما سنكون عليه في المستقبل، وإن لم نعالج هذه القضية نبقَ لما هو حال الوليد الذي لا يعرف أهله، ما سيكون عليه.

إننا نحيا الآن حالات من الاختلاط الذهني المذهل، وهذا يدعونا للبحث عن إيجاد الحلول السريعة لمشكلاتنا، وخاصة أننا نشهد عالماً تغزوه الحروب والفقر والظلم وفقدان الروابط الاجتماعية بين الأفراد والأمم أيضاً، وإذا كانت الثقافة عملية تطلّع إلى الأمام، يجب أن يكون محورها الرئيس الحوار، وبالحوار الواقعي وحده نتطوّر، لا بالجدل العقيم الذي يضخّم الأنا.



عدد المشاهدات: 7216

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى