مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

الديمقراطية الإسلامية.. د. نبيل طعمة

الأحد, 10 أيار, 2020


شهدت على مدار عقود من الزمن انهيارات هائلة وخاصة الأخيرة منها، وفي اعتقادي أوصلتها إلى الحضيض، بعد أن كانت رائجة ومطلوبة عربياً وإسلامياً وعالمياً نتاج توافقها مع السياسات الإنسانية والاجتماعية والعالمية ورضى حذر إلى حد ما بين قيادات العالمين العربي والإسلامي، التحول الخطير الذي حدث وأخذ ينخر في بنيانها بدأ مع حادثة انهيار البرجين في نيويورك 11/9/2001، الذي اعتبر نقطة تحول آخذة بالتصاعد باتجاه تدمير هذا الأنموذج الإسلامي الذي كان مقنعاً لسواد المسلمين في العالم، نظراً لما نالوه من حريات في بلدانهم بأصقاع الأرض من خلال حرية التعبد وبناء المساجد والمدارس الشرعية وإنشاء الأحزاب الإسلامية والتنقل بالجنسيات المحلية والمكتسبة.
 ما الذي حدث مع دخول العالم للألفية الثالثة؟ وكما ذكرت مع نقطة التحول بدأت تظهر حكومات الخوف ذات الصيغ البيروقراطية في دول اقليم الشرق الأوسط ترعاها مجموعة الخمس الكبرى وعلى رأسها الولايات الأمريكية الراعي الرئيس لهذه الحكومات، وفيها تم التخطيط المشيطن لوأد عنواننا، والسبب إسهامه في تطوير البنى التحتية لمنظومة الدول العربية والإسلامية، وعلى عكس ما أريد من خلقهم وتكوينهم، فقد ظهر ذلك على البنى الفوقية، ليشهد العالم الإسلامي وحتى العالمي انقساماً تدريجياً بين هذه الدول، ومن ثم تحويلها إلى العدائية فيما بينها أولاً، وثانياً مع أغلبية دول العالم، وتحقيق هذا جلياً مع بداية 2010، وتدحرج مشروع أطلق عليه الربيع العربي، لنشهد اصطفافات علنية؛ قطر مع تركيا، السعودية مع مصر، إيران مع سورية، ويتصاعد الحدث.
في العقود الخمسة الأخيرة أي بين سبعينيات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، تم نشر فكرة بين المتشددين الإسلاميين، بل عملوا على غرزها في عقول المسلمين، بدءاً من إنشاء القاعدة تحت مسمى محاربة الكفار الشيوعيين في أفغانستان، وصولاً إلى دولة الإسلام في العراق وسورية والعديد في إفريقيا وآسيا، وهيئ لها أفراد من بن لادن إلى البغدادي إلى أبو سياف إلى بوكو حرام، وكل هؤلاء للأسف تم بناؤهم بين أمريكا والسعودية وبريطانيا وتركيا وقطر، وزرع في عقول الجميع أن هناك كفاراً في سورية وليبيا واليمن وكثير من أصقاع العالم، وأن عليهم قتالهم في إعادة الأنموذج الإسلامي الأول، أي الخلافة لأمير المسلمين والإمارات الإسلامية، شجعهم على ذلك عالم الشمال الذي يضم الأوروبي والأمريكي، ومؤكد أن الذين يعيشون في مجتمع يمتلك حضارة لا يجدون مناصاً من أن يتنفسوا في أجواء التطور ضمن مناخ طبيعي، أي الاستقرار، فإذا كان هذا الجو نقياً وصحياً فإن وجودهم فيه سوف يؤدي إلى نمو الأفكار الخلاقة باستمرار، وبالتالي يساعد على إحداث الاستقرار النفسي، ومادامت الأجواء العربية برمتها غير صحية وهي لا تساعد على تحقيق الارتقاء والتطور الفكري لدى سواد المجتمعات فمن الطبيعي أن تكون ولادات الشذوذ الديني والسياسي المبرمجة التي أدت إلى إحداث الصراعات والنزاعات والحروب السافرة في بعض الأماكن والأزمنة، وفي بعضها الآخر نجدها وجهاً لوجه فيما يشبه الهدنة المسلحة المنتظرة للإشارة، وفي بعضها الآخر تتظاهر بالتعاون الظاهري الخبيث في جوهره.
بدأ انهيار الديمقراطية الإسلامية عندما أساء المسلمون فهم رؤية عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين في طلبه لعامله على سمرقند بالانسحاب منها، معتبرين ذلك خيانة للأمة الإسلامية، ولولا ذلك لكان المسلمون سادة العالم، وللأسف إن أكثر المسلمين لم يدركوا فهمه للسياسة العالمية الدقيقة المحدثة للتوازنات بين الأمم، هذه السياسة التي وجدت مع وجود البشرية، ولولاها لكانت في خبر كان، والتي أدركها قبله النبي العربي محمد عليه السلام بعلميته الفائقة الحكمة، واستيعابه لمقتضيات الشعوب والأمم والأديان، وسياسته الحكيمة وديمقراطيته الرشيدة التي تجلت في تحوله من قبلة المسلمين الأولى الأقصى في القدس إلى مكة، ولولا هذه الحكمة لما كان هناك أديان، ولكان الصراع والاضطراب بين الأمم مستمراً بشكل لا يتخيله إنسان، وعزز له ذلك المقدس القرآني الذي خاطبه: فلنولينك قبلة ترضاها، وفهم أيضاً سادة قريش في مكة والنبي من أبنائهم حكمته وسياسته البعيدة المدى المتعلقة بعمق تلك السياسة العالمية، فقدموها له على طبق من ذهب، ومن دون أي قتال، مجسدين بذلك أهم فعل ديمقراطي، متنازلين عن الفكر الوثني لمصلح القادم الجديد الفكر الإسلامي، وكذلك خسارة المسلمين في جبال البرانس بين فرنسا وإسبانيا، وعدم فهم وتحليل ما جرى، مذ ذاك الوقت والمتشددون مازالوا يقولون: " لو" انتصرنا لدانت أوروبا لنا.
للأسف لم يستطع مريدو الإسلام التخلص من فكرة أسلمة العالم، ولم تقدهم سماحة الدين للوصول إلى الاستقلال الفكري، والسبب الانفصال المديد بينهم وبين عناصر التكامل مع البشرية، وعدم إدراك ما يعوز الحياة خاصتهم، وهذا لا يقدر عليه إلا حينما تنزع العصبية عنهم، والواقع لا يفيد الندرة، التي استطاعت التخلص من تلك الحالة العصبية رغم ذهابها إلى إحداث الانخراط العالمي في عملية التكامل، والسؤال الذي يفرض حضوره: ماذا حقق العرب المسلمون بعد قرن من الحداثة والتطور؟ سمة هذا القرن الذي امتلأ بالتغير والتطور في الأفكار والمعتقدات والعلاقات والبحث في ماهية روح الأديان، أليس هذا القرن الذي امتلأ بالتغيير من العصبية الدينية والاتجاه للتحرر السياسي الذي لا يتم إلا بارتكاز على أسس الديمقراطية، ليهبوا بعدها لإنجاز التحرر الديني المنطقي، وهنا ومهم أن نتوقف عند فكرة أن من يردْ قطع السبل وحده والذهاب بعيداً بمفرده فمؤكد أن يصاب بالجنون أينما وكيفما كان في الاتجاه، هذا أو ذاك، هنا أجد أن الاتجاه للبحث في مفهومي الجهل والمعرفة وتعميق البحث فيهما وطرحهما على الأجيال أهم بكثير من الاستمرار بالتعلق بمفهومي الخير والشر، لأن الإيمان بأن لدى الإنسان من القوى والقدرات الكم الكبير، ولو أنه وجّه وتمت تنمية أفكاره إيجابياً لأخذت به مباشرة لتقدير بأن هذا صح وذاك خطأ.
لم يستوعب العرب المسلمون مفهوم الديمقراطية الروحية التي دعت لتقبل الخبرة الإنسانية على أنها خبرة مشتركة بين الناس كافة، غايتها معالجة المشكلات بحكم تصويره على أنه السياسي الأول، وتجلى ذلك في جدليته مع إبليس وإبقائه إلى يوم يبعثون، واعتبروه الاقتصادي الأول، فهو الذي يكافئ ويعطي ويسلب، والأمني الأول بتهديده ووعيده وأجهزته المنتشرة مثل الرقيب والعتيد والتنصت باستراق السمع، والإنصاف وتحقيق العدالة، والاجتماعي الرئيس الحليم الخبير البصير الودود السميع، لذلك تجد أن مشاكلهم مشتركة، وبقيت نظرتهم في الانتظار المنحصر بفكرة أن الله وحده القادر على حل مشكلاتهم، وعكسوا كل ذلك على قادتهم من دون مساعدتهم، وهنا توقف العقل عن الشعور بالمسؤولية عن الواجبات التي يجب أن يؤدوها، وعزز ذلك فكرة الآخرة أو الأخروية، أو الحياة أو الحياة الثانوية التي تحمل العدالة والسعادة، وكل ما حرم منه الإنسان في حياته المادية، وهذه أيضاً مشتركات بين الأديان، وإن كان كل دين أوجد لها تفسيراً يخصه، إلا أن تطور الديمقراطية لدى الأديان الأخرى فاق بكثير تطور العقل الإسلامي، الذي وبسبب عدم إدراك الحكومات لهذه المنظومة بقصد أو من دونه أدى إلى ظهور التطرف والعصبية والعنصرية، هذه التي أيضاً وجدت في الديانات الأخرى، ولكن بشكل فردي أو ضئيل.
لا ديمقراطية في الاديان كافة إلا إذا أعلت من شأن التسامح، وذهبت لفرد منظومة إنسانية الحياة وأنسنتها، وبشكل خاص لدى الديانة الإسلامية، التي شاب مريديها الاتهام الواضح من كامل شعوب الأرض، كيف بنا نصلح ذلك؟ هنا أدعوكم لفهم جوهر الدين لا لمحاربته، ولفهم ماهية الله، لا للاختلاف عليه وللتفكير في أسباب الحياة لا للانقضاض عليها.

 د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 7781

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى