مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

الإنسان يسابق الإنسان .. د. نبيل طعمة

الأحد, 1 تشرين الثاني, 2020


إلى أين وعلى ماذا؟ هل من أجل حكمة الحياة التي هي حق لجميع الكائنات التي تمتلك الذكاء ساعية إلى تعميمه والتفاعل معه على أنه حق لوجودها، وأهمها الإنسان الذي يستثمر منه ما يقدر عليه؟ أم على تملكه للإنسان الأضعف الخائف من الإنسان؟ وهنا أستطيع القول: إنه لا يوجد غباء أبداً، ولكن هناك من يستثمر فيه بدرجات، الكثرة لا تستثمر في الذكاء، والندرة تتلاعب فيه تاركة جزءاً مهماً هائماً على وجه الحياة، تدعه يلاحقها، ترمي له بعضاً من منتجات ذكائها، ورغم كل ذلك نجد أن المجهول يخص الجميع من دون استثناء، ويتمايز الإنسان عن الباقي من المخلوقات بأنه يحمل قلقاً مستمراً، يتصاعد منذ نشأته، وصولاً إلى نهايته المحكومة بالموت، لأن الحياة بالنسبة له رعشة عابرة وأنشودة تُلقى لمرة واحدة، فنجده يبحث بشكل دائم عن طمأنينة تكفيه أمام المفاجآت المستمرة، هذه التي تشكل له هاوية لا يعلم  عنها أي شيء، فهي تنتظره عند كل منعطف أو نهاية كل طريق، لذلك نراه يعاني القلق المستمر، رغم أنه دائم البحث، بدءاً من أعماق ذاته وصولاً إلى محيطه، عن مصادر أكثر وثوقاً، والغاية أن يطمئن، يدفعه الأمل للوصول إلى العالم الكامل بإصرار اكتشافه، وهو يعلم أنه ممتلئ بالألغاز التي توقفه إزاءها مذهولاً، حيث لا يدري عنها شيئاً، رغم ما يشهده عصرنا من إدهاش علمي وتفوق الإنسان، إن حدث فسيكون على الإنسان، وعلى مكونات الطبيعة التي تفوقت على أي تصور مما دعاه لإنشاء سباقات، كان أولها مع المخلوقات اللاحمة، إلى أن امتلك نواصي السيطرة عليها، وكذلك قوى الطبيعة التي فهم كثيراً من أبعادها، لتبقى المشكلة الأكبر قائمة بين الإنسان والإنسان، نعم إنه وبشكل دائم يحتاج إلى بصيص أمل يكون له دليل عمل، يدفعه للوصول إلى مبتغاه، مستنداً إلى العلم الذي امتلكه والفلسفة التي يريد أن يعرفها، هذه التي منحته خطوات جبارة ساعدته على كشف الكثير من أسرار الطبيعة والقوى الكامنة فيها، وبها مايَز قدراته العقلية عن باقي الموجودات الحية، وطموحه الدائم أن يحيا حياة أفضل في المستقبل الذي يحتاج فقط إلى الذكاء، الذي إن لم يكن لديه وجب عليه اصطناعه، وفي الوقت ذاته إن لم يفعل ذلك ولم يتجه إلى امتلاكه وتطويره فسيبقى في المؤخرة المتخلفة، أي لا يبقى ضمن الركب، لأن القرار العالمي اتخذ بأن الحياة للذكاء الإنتاجي والإبداعي، وبدءاً من اليوم وإلى ما سيأتي من الزمن الحياة للأذكياء، وحياة الأموات في حياتهم للمتخلفين والبلهاء خطوات سريعة ساخنة، تحتاج إلى الجرأة والإقدام والمثابرة من دون توقف، لأن الإنسان يسابق الإنسان، والحياة للأفضل علمياً وتقنياً.

هل ارتقت تصورات إنساننا المحلي، وأقصد العربي السوري منه بشكل خاص، لما أنجزه للعالم أو بالأحرى لعالمه ولحقيقة وجوده وأسبابها، وفهم أن الحياة عطاء والموت نهاية، والحكمة يجب أن تظهر أثناء مسيرته وأفعاله، وأن عليه أن يستهدف الأمان، فإن لم يستطع توليده فإن عليه اصطياده، وكل الوسائل الدفاعية التي يحصن الإنسان نفسه بها هي مشروعة وضرورية من أجل الاستمرار والتمتع بحرارة الشمس وأضواء القمر والنجوم والحب، وصولاً إلى السعادة التي ترافق النمو والتواصل، وبهذه التعلقات يتم تجنب الكثير من المآسي والاندفاع لمحاربة التشاؤم، وإذا أحسن الإنسان صنعاً يدرك تماماً أن الحياة فن جميل، وهي مشروع تجاري رغم تنوع أبعاده، فهو نوعي، يكسب فيه إن أحسن، ويسقط إن أخطأ، ولم يقدر على إصلاحه بشرط أن يدرك حياته بعد ذلك، وماذا تريد منه، وماذا يريد منها، لأنه يسابقها حارقاً مراحلها التي يدعها خلفه من الولادة، إلى الشباب، إلى الكهولة، وصولاً إلى النهاية الحتمية.

الإنسان لا يرى الأشياء أو ما يحتويه محيطه إلا في وجود الضوء، ولا يستطيع أن يحدد صفاتها إلا بوجوده، فهو لا يستطيع مرة ثانية تحديد معالمها في الظلمة الحالكة رغم وجودها، وهذا خارج عن إرادته، وهنا وبعد أن درس صفات بعض الحيوانات التي ترى في الظلمة، أصبح قادراً بوساطة بعض الأجهزة على الرؤية الليلية، وبها تمكن من قنصها ليلاً، وقنص الإنسان المختبئ بين أجنحة ظلماتها.

السباق في الرياضة، والأهم والمهم فيه الفوز، وكذلك في التجارة أيضاً ومقدار الربح أهم شريطة ألا يؤدي إلى الجشع الاستبدادي، وفي الفنون وأهمية الإبداع فيها، والعلوم وما تنتجه من فوائد وتطور تعكسها ليس فقط على مجتمعاتها، وإنما على الإنسان بمجمله.

 من كل هذا نجد أن السباق والإنجاز مسموح، والتكريم اللائق للمستحق، أما التسابق على إنشاء الحرب وقتل الإنسان للإنسان وابتزازه والاعتداء عليه من دون وجه حق فهذا هو المحور الذي نبني عليه حوارنا، وهذا أيضاً إن لم نصل إلى تفكيكه، فإن فكرة الجحيم قائمة، لأن الإنسان يصنع جحيمه من فكره الشرير، وهي فكرة واقعية، حولها الإنسان إلى غموض وظلام وعالم سفلي، لأنها تمثل عبوراً مجازياً لعالم الجحيم، الذي أؤكد عليه أن الإنسان يصنعه بفكره، فيأخذ به إن اعتمده إلى العداوة والحسد والغيرة والانتقام وكل صنوف الشر، هذا ما نشهده في زمننا الذي أطلق عليه زمن الجحيم، لأن الجميع يتسابق للسيطرة على بعضه، مستخدمين جميع وسائط الشر المنتجة للجحيم الذي شهدناه في سورية والعديد من الدول العربية ودول عالم الجنوب، وما هو إلا نتاج هذا التسابق الذي يراد منه السيطرة فقط، ومن دون أي رادع أو وازع.

 أمريكا تريد السيطرة على الصين لأنها اقتنصت التكنولوجيا الأمريكية وطورتها، وأخذ يظهر تفوقها عليها وعلى الغرب، فالحرب مستعرة، كانت في الخفاء واليوم في العلن، وكذلك الصين وعبر شركة الهواوي التي تفوقت كثيراً، وحفزت الذكاء الاصطناعي عبر الجيل الخامس من (G5) ومخرجاته القادمة، والتي لا تسيطر على الدول فقط، وإنما على الأفراد، وهذا ما يمهد للزمن القادم، أي إنه لن يعود هناك حكومات فردية، إنما حكومة عالمية تكون فيها كل الدول مؤتمرة بالتنفيذ، بعد أن يُمنح لكل منها دور وتخصّص.

أليس السباق في الحياة مشروعاً، ويشكل فكرة الحياة؟ وأي خطوة نخطوها إنما نستهدف منها الأمان، لأن الخوف على الحياة واستمرارها هو من صميم تصميمنا نحن معشر البشر، وبها نواجه بعضنا، وما نتخذه من وسائل دفاعية نلجأ إليها هي ضرورات مهمة ومشروعة أمام سعينا الدائم لإحداث التوازن بين الإنسان والإنسان، ولو بالحد الأدنى الذي يظهره بأنه إنسان اجتماعي، وبه يعوض الضعف الفردي، مشكلاً بذلك أول قانون من قوانين الحياة، فأي هدف يهمل الصلة الاجتماعية يخرج عن ناموس الحياة، فالتسابق إن لم يكن مع أحد فسينتهي بأزمات إنسانية.

سباقات مستمرة هيدروجينية نووية كيميائية بيولوجية جيولوجية فضائية على المال والمنبر والكرسي، أياً كان شكلها، وأهمها اليوم سباق السيطرة من الإنسان على الإنسان، باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد يفيد الذكاء التقليدي الطبيعي، رغم أنه صنع كل ذلك، ويستمر التسابق لنتوقف مرة ثانية عند "لماذا"، وخوفاً من "ماذا"، مادام البعض من الأناسي أصبح أقوى بفعل ما وصل إليه في السيطرة على كل شيء، بمن فيهم الإنسان الأقل قوة وصولاً إلى فاقدي القوى، وهنا أستطيع أن أقول: إن كل هذا التسابق نتاج أننا دخلنا عالم المادة، الذي سيطر علينا، ومازال، وتخلينا أمام إغوائه عن عالم متكامل يقف خلفه، أي ما وراء المحسوس الحامل لعلم الحقائق المطلقة، التي لا تزول ولا تفنى، وهذا الفردوس الأرضي ما هو إلا خيال مؤقت آيل للزوال، فإن لم ندرك أن حقيقة السباق هي الوصول إلى اللامادي، فيعني أننا كالمادة المصنعة تنتهي بانتهاء عمرها الفني.



عدد المشاهدات: 6562

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى