مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

العطلة إنسانية.. د. نبيل طعمة

الاثنين, 7 كانون الأول, 2020


نتدارس فيها مفهوم الإنسان وحيوانه الساكن في تلافيف عقله المتوثب دائماً للانقضاض، وأتذاكر معكم أنّ الشخص الذي لا يستطيع فهم وقبول وجهات نظر الآخر أو يرفض أفكار ومشاعر الآخرين يحتاج إلى وقت مديد وجهود كبيرة، ربما يصل إليها كي ينجز فعلاً أو تكويناً مقبولاً ومقنعاً، ويبقى في دائرة الصراع بين الواقع والخيال، رغم ما تمنحه الأدلة التي تفيد بأن التوقعات دائماً لا تمتلك الحقيقة، ما يجعله منتظراً وخائفاً، فمن يخفْ لا يستطع أن يبدأ، ومن لا يقدر على البدء فمؤكد أنه غير قادر على البناء، هذا الخوف سيقيِّد الإنسان، ولن يحرره من أي شيء، ما سيؤدي إلى خنق متنفس الحياة الكامن في الحرية، ليغدو مكبلاً إن لم ينعتق مما يكبته.

هذا يقودنا للبحث في أسطورة حواء وآدم مؤسِّسَي نهج الحياة في ارتقائها نحو الإبداع والعبقرية والمسؤولين الرئيسين عن التكاثر وتوترهما الذي نقلاه جينياً إلى هذه السلالة الإنسانية التي حملت التزامات هائلة من الحفاظ على صحتها وبنيانها وتجمعاتها وصولاً لبناء هويتها التي تدفعها للحرب دفاعاً عن وجودها وممن؟ من هذا الإنسان الذي هو منها.

 لقد وصل الإنسان اليوم إلى أصعب مرحلة من مراحل تكوينه، وبحثه مستمر عن الكيفية التي تجعله يعبر منها، وجوهره متربِّص خوفاً وكبتاً وجبناً منذ زمن بعيد، ويعاني رواسب وحشيته وحيوانيته الراكدة والثائرة في أعماقه، لأن نياته أصبحت مقنعة المظهر، وجوهره يعجّ فيه ديدان الحقد والكيد والنقمة، نعم عدو الإنسان رابض في جوهره، هذا العدو هو حيوانه الذي يزأر بين الفينة والأخرى، يريد الخروج والتهام كل شيء، وما لم يستطع الإنسان التغلب عليه، فإنه لن يرتقي، وسيستمر في العدوان، لأن جوعه لن ينتهي، لذلك أجد أن الإنسان بحاجة إلى مراجعة وجوده وقيمه.

هل تعلمون أن يوم العطلة قرره العقل البشري للاستراحة من وحشيته وهمجيته وشهوته ولهاثه خلف الجنس وممارساته ومخالفاته ولغة أريد، ومن أجل التفكّر ضمن مساحتها رغم ضيقها والتأمل والتحرر من قيود التوتر والالتزامات والانعتاق من وجهه البشري ونسيان كل شيء، وبه يتوقف الإنسان عن ارتكاب الخطايا والآثام، فهو يوم قمع حيوانه المتجلي في شهواته التي يحتاج وفقها إلى شجاعة نادرة، تنسيه هويته الحقيقية التي تقمعها العطلة الإنسانية، هذه التي أقرتها الأديان والأيديولوجيات كالجمعة عند المسلمين، والأحد عند المسيحيين، والسبت عند اليهود، وللعلم إن يوم الجمعة في لغات العالم كافة يعني يوم العطلة أو اليوم الحر، بالإنكليزية  " Friday"، بالألمانية " Freitag"، بالفرنسية " Vendredi"، وبالإيطالية  Venerdì" وهي موجودة عند الإله الذي اعتمد السبت، بعد أن تعب من تكوين الكون في الأيام الستة، طبعاً هذه رواية توراتية، وهي أسطورة نسجت في العقل التوراتي التلمودي، الذي اعتمده أيضاً اليهود كيوم عطلة، فهم لا يشتغلون في هذا اليوم، ولا يشعلون النار، ويعتمدون على الآخرين مقتدين بالإله، ولكن قبله لا نعرف عنه شيئاً، بحكم أننا وصلنا في بحوثنا إليه.

إنه يوم يهرب فيه الإنسان إلى الانعتاق من المظهر الذي يرتديه بغاية التفكير أولاً، وبما سيقدم عليه من غده، وثانياً وهو الأهم، حيث يتفكر هل سينعته الآخرون بالحيوان، أم بالإنسان؟ لأنه سيكون ضمن الجمع والتعاملات التي تفقده هويته الإنسانية، رغم أنه جزء من مجموع التعاملات التي لا يقدر على الانفلات منها، هاأنذا اليوم أرفع المشكلة الإنسانية من مستوى العاطفة والروحانية إلى مستوى العقل الواضح، حيث ينبغي لها أن تتمركز كحالة مستعجلة، يجب أن تناقش في ضوء من العقلانية المتزنة والاتجاه.

 الفلسفة الصارمة بمقدماتها وأحكامها تناقش الفكر الإلهي والفكر المادي اللذين قررا أن تكون هناك عطلة إنسانية، فمنحا الإنسان أولاً يوماً، ومن ثم إلى يومين، لماذا؟ وأنا استعرضت تحت عنواني بعضاً من الإجابة عليه، وأدعوكم للتفكر في مغزى ومعنى هذه العطلة والغايات التي تحملها، لكي نطور الأداء الإنساني الذي يسعى من أجل استمراره وبشتى الطرق، وأستعيض بكلمة يسعى عن القنص والصيد والاستباحة واللصوصية والاغتصاب، لغاية تعزيز الدور الإنساني وتمييزه عن الحيوان، الذي إن لم يلجم فاق في حيوانيته أشرس أنواع الحيوان، وهنا أشير إلى أن الإنسان وعندما منح يوم عطلة من شهوانيته يعني أنه فتح فرصة ذهبية للتحلل من التزاماته هذا أولاً، وثانياً لتمييزه عن الحيوان الذي لا يمتلكها، فهذه العطلة تلجم حيوانه الذي يبقى يفحُّ  بإرادة الخروج كالأفعى من ثباتها، وإذا لم يتم التغلب عليه فإن الإنسان لن يرتقي، ولن يتخلى عن وحشيته، وإذا انتفضت حيوانيته، يغدو التواصل معه من أصعب ما يكون، أو يقترب من الاستحالة، فكان الحل في منحه العطلة التي تمنحه حميمية مع ذاته أولاً، ومحيطه الضيّق ثانياً، لأن التناقض الفظيع الذي يحياه الإنسان في يومه العملي يظهر تناقضه الفظيع بين الدخول من المغامرة وتحمّل المخاطر في التغلب على هذا الوحش الغابي الساكن في أعماق الجسد الإنساني.

إنه لشيء رهيب أن يفقد الإنسان ثقته بالإنسانية، هذه التي تحول الأفعال من العالم المحيطي إلى عالم الضمير، حيث له تكون الكلمة العليا، وهذا هو الواجب حدوثه في لحظات الراحة، أو كما يطلق عليها العطلة التي تبحث في أننا نولد، ولدينا ازدواج الحيوانية والإنسانية، وهذه تطور في ظروف طبيعية وعادية وظروف قسرية وضعت على سواد البشر الخروج من هذه الطبيعة إلا بالعودة إلى الراحة، التي تمنح مساحة للتأمل، فالحياة رحلة تعتمد الألم والتعب والتحمل، وفيها محطات تجبر الإنسان على التوقف، النوم، العطلة، وأسوار السجون والقبور، هذا هو العالم الإنساني الذي أعطى الإله يوماً للراحة من فلسفة عميقة، كي يأخذ قسطاً منها.

 أدعوكم دائماً للتفكر، فأنا لا أتخيل، بل أضع تحت خط بصركم أفكاراً، فهذا العالم الإنساني اجتماعي ديني اقتصادي سياسي، يعمل بنظم لا إنسانية، قد لا تعجب البعض منه هذه الفكرة أو تلك من هذا الجانب أو ذاك، لأن سرّ الراحة يفلت منه، وما أخطّه يدعو من فلسفة الواقع إلى التأمل، كي نعيد للواقع الإنساني ألقه، ونقارب علاقته ببعضه بعيداً من ملابساته التاريخية والاجتماعية، التي أنشئت معها معادلة الحياة، وأرفع من خلالها شعار الإنسان وحيوانه، لأن الاكتفاء بالنظر إلى الجسد غير كافٍ، والأهم هو ما يحتويه من جلال وجمال وفساد ومحرم ومقدس ومدنس، وبما أنني لا أخجل من مناقشة أي محرّم أو مقدس أو مدنّس، وغايتي العودة إلى بناء الإنسان وما يحتويه من فكر وعلاقته بالآخر، فهي غاية تطوير الحياة وأبعادها الإنسانية.

يجب أن نعترف أن تطبيق مبدأ الإنسانية يستلزم كثيراً من الجهد الإصلاحي في التربية والتعليم والعادات الاجتماعية واستقبال تطورات العلوم والتكنولوجيا، وأن يتخلى الديني عن تقمّص دور السياسي، ويسهم في بناء الحياة الأخلاقية، وأن نبدأ بالاعتماد على الفلسفة والأدب وفهم الحقوق والواجبات وفتح باب الحريات، كي نرفع مستوى الكم من الحضيض، مع توجيه الاهتمام لجملة المذاهب الفيزيائية والرياضية والاجتماعية والتاريخية والروحانيات العلمية، فالحيوانية ليست مشكلة مستعصية ضمن الإنسان إذا وصلنا إلى فهم قدسية الإنسان ومهامه في بناء الحياة الإيجابية.

د. نبيل طعمة



عدد المشاهدات: 6563

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى