ذكرت بعض الصحف التركية عن إجراء مفاوضات غير مسبوقة تركية روسية هدفها حلب لانسحاب الدولة السورية منها وإشراف تركيا عليها وإعادة إعمارها وفرض الجيش التركي وما يسمّى “الجيش الحر” السيطرة عليها، هذه المفاوضات المنافية للمنطق البشري والتي لا يمكن لعاقل أن يستوعبها، تندرج في إطار تخبّط تركي جلّي وواضح، بعد اقتراب حسم الشمال السوري عقب الانتهاء من الجنوب.
خاص وكالة عربي اليوم الإخبارية _ حوار سمر رضوان
حول هذا الملف، وترحيل جماعة “الخوذ البيضاء” إلى أوروبا من إسرائيل عبر الأردن فأوروبا، وملفات أخرى تشرحها الدكتورة أميرة ستيفانو، عضو مجلس الشعب السوري، ضمن حديث خاص لـ “عربي اليوم”:
هذا حلم ابليس بالجنة، تصريحات وتلفيقات مثيرة للغثيان تتجاوز كونها هراء، لتأتي تزامنا من جهة مع الانتصارات العظيمة للجيش السوري التي حققها في الجنوب وإنهاء الوجود الإرهابي في السويداء ودرعا والقنيطرة
ومن جهة أخرى مع إعلان فشل واشنطن في سوريا بعد قمة هلسنكي، وفشل دور الدول العظمى الداعمة للإرهاب حيث طلبت انكلترا وفرنسا وألمانيا عبر الأمم المتحدة إخراج جماعة الخوذ البيضاء من جنوب سوريا و بموجب عملية سرية قامت إسرائيل بإخراج 800 عنصر منهم، من جباتا الخشب وإرسالهم للأردن لمدة ثلاثة أشهر ريثما يتم ترحيلهم إلى ألمانيا وكندا
وهذا يؤكد عمالة هؤلاء ويثبت كل ما كانت تقوله الدولة السورية عن فبركة استخدام الكيماوي ليصبح الحجة الدائمة للتدخل الغربي على أراضيها، فإن إخراجهم يبرهن على أنهم أدوات لتلك الدول، ويؤكد انتهاء دورهم في سوريا، وكونهم عناصر مدربة فلا يصح تعرضهم للخطر لذلك يتم إخراجهم لاستخدامهم في مناطق أخرى.
التآخي بين النصرة وكيان الاحتلال
لا ننسى العلاقة الوطيدة بين المجموعات الإرهابية وخاصة جبهة النصرة وإسرائيل التي رعتهم و عالجتهم طيلة فترة تواجدهم، وفي إطار معركة الجنوب السوري والهلع الإسرائيلي من اقتراب الجيش السوري من الحدود وخاصة بعد سيطرته على تل الحارة الاستراتيجي ليصدر القانون الإسرائيلي العنصري الجديد كدعم معنوي للشعب الإسرائيل
حيث أنّ سوريا أدانته واعتبرته اعتداء على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ولجوء إسرائيل لروسيا معربا عن قبوله تواجد الجيش السوري على حدوده دون أي تواجد إيراني أو لحزب الله ليأتي موقف بوتن بعد قمة هلسنكي الثابت فيما يتعلق بالملف السوري ويعيد تذكير العالم بالشرعية الدولية ليصرح بضرورة تهيئة الظروف للعودة إلى القرار 338 للتسوية بين سوريا وإسرائيل
وبالتالي فإن روسيا ستسمر في تحالفها مع سوريا وإيران ولا تأبه للنباح الإسرائيلي رغم العلاقة الجيدة بينهما لأن الهدف الأساسي من إسقاط الدولة السورية كان يهدف لضرب المصالح الروسية والصينية وتنصيب أدوات لأميركا وإسرائيل، ومع قوة الدولة السورية وبسالة جيشها وحنكة قيادتها وصمود شعبها ووعيه لما يحاك ضده استطاعت صد اقوى هجمة إرهابية، وبالتالي استمرت الدول الحليفة والصديقة بمواقفها المؤازرة والداعمة لإفشال مخططات التقسيم والتفتيت.
حلب “حلم تركي”
حلب التي كانت أكبر مركز اقتصادي صناعي وقدّمت بعد أن ضربها الإرهاب آلاف الشهداء والجرحى لتطهير أرضها، لن تفرط بذرّة من ترابها وستبقى شامخة ورافضة لأي احتلال تركي، بأي شكل أو مع أي أدوات
وما سرقه أردوغان من معامل وآثار يجعل من أهلها أكثر إصرارا على محاسبته قانونيا حسب القوانين الدولية ولن يجد قاعدة شعبية أو بيئة حاضنة وبالتالي كل ما يقال محض خيال فقط
فهذا المشروع مجهض غير قابل للحياة وغير مسموح دوليا تغيير حدود سوريا، وما الورقة البيضاء التركية إلى موسكو بشأن الحل النهائي في منطقة خفض التوتر الرابعة التي تضم قرى تمتد من اللاذقية وحماة وحلب ومعظم ريف إدلب والمدينة، إلا محاولة لإنقاذ إدلب من أي عمل عسكري سوري روسي.
تركيا تسعى لتغيير ديموغرافي
مع كل وجهات النظر، البعض يفسر التواجد التركي لأجل أهداف تغيير ديمغرافي من جرابلس إلى ريف حماة مرورا بعفرين وإدلب حيث نجحت الفصائل المدعومة تركيّاً من تهجير كل الأهالي من الطوائف والأقليات الأخرى بعد مجازر وأفعال بشعة كما عفرين،
وأخيرا سحب أهالي كفريا والفوعة لتصبح المنطقة ذات صبغة فكرية ثابتة موالية لتركيا
هنا نجد مبالغة في حجم الدور التركي والفصائل التي تدعمها رغم بشاعة الممارسات، إلا أن القرار بإخراج أهالي بلدتي كفريا والفوعة بعد صمودهم الأسطوري،
لم يأت في سياق تنفيذ المخطط التركي، بل حتى لا يكونوا ورقة ضغط على الدولة السورية في العملية العسكرية القادمة لإدلب، وما هي إلا مسألة وقت لأن تواتر الأحداث أصبح متسارعا.
تركيا والأطماع التوسعية في سوريا
لعبت تركيا دورا كبيرا في ملفات المنطقة لتحقيق مطامعها التوسعية وهنا نفهم تصريحات أردوغان عن دخول تركيا إلى عهد جديد بالعودة إلى اتفاقية لوزان في تموز 1923 التي تمت بين القوى المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى لترسيم حدود امبراطورية الخلافة العثمانية والتي أسست لقيام الدولة التركية الحديثة وإعلان علمانية الدولة ومنع تركيا من التنقيب عن البترول واعتبار مضيق البوسفور ممرا دوليا لا يحق لتركيا تحصيل رسوم من السفن المارة به
وبالتالي ينتظر أردوغان عام 2023 لتدخل تركيا عهد جديد بانتهاء مدة الاتفاقية حسب زعمه ليبدأ التنقيب عن البترول وحفر قناة جديدة تربط بين البحر الأسود و بحر مرمرة تمهيدا للبدء في تحصيل الرسوم من السفن المارة، والحكومة التركية تروج حاليا إلى الحديث عن معاهدة لوزان لتؤسس وعي مجتمعي لتطالب لاحقا المجتمع الدولي بإعادة النظر في بنود المعاهدة لإرجاع أمجاد الخلافة العثمانية إلا أن البنود لا تتضمن أي بند يحدد مدة انتهاء العمل بها ويسعى أردوغان للاحتفال بعام 2023 بإعلان 100 عام على قيام الدولة التركية وهي مناسبة مهمة لإطلاق الحزب الحاكم الوعود السياسية والاقتصادية
وربما المقارنة بحالات سبقت مثل معاهدة نانكينغ التي تنازلت فيها الصين عن هونغ كونغ إلى بريطانيا عام 1898 إلا انهم وقعوا اتفاقية رسمية لإعادة الجزيرة إلى الصين في عام 1997، وبالتالي التركي يتوقع أن اتفاقية لوزان الثانية على طاولة النقاش لتعود تركيا امبراطورية حديثة في المنطقة، إنما السؤال هل تسمح روسيا بذلك لتفقد أهم مستورد للنفط الروسي ولتصبح سفنها وأسطولها تحت رحمة التركي؟
وهل ستقبل أميركا وأوروبا وإسرائيل بتعاظم الدور التركي في المنطقة بعد الدكتاتورية والقمع السياسي وقمع الحريات وعمليات الاعتقال الواسعة الذي شهدتها فترة حكم أردوغان الذي توسع بصلاحياته وفق الاستفتاء الشعبي الأخير؟
فالتصريحات التركية المتكررة تبرر أي توسع لها في الأراضي السورية، إنها تريد قطع الممر الكردي كما حصل بين جرابلس والباب، تريد قطعه بين عفرين والباب، حيث اختلفت مع الأميركي عندما دعم قيام إقليم كردستان العراق، وما صدور عدة تصريحات تتضمن إنهاء وجود حلف الناتو إلا رسالة إلى تركيا لعدم العبث بالملفات المتفق عليها روسياً أميركياً فالسلاح الروسي لا يستطيع الناتو مواجهته بحسب مواقع عسكرية متخصصة.