مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

الوئام الدولي.. د. نبيل طعمة

الأربعاء, 6 شباط, 2019


فكرة لعوب تغري الأمم والشعوب، تبحث عن العمل المنشود من أجل بقائها، تلهث وراء الحقيقة التي تخفي كل شيء، حتى إنها تتعلق ببصيص الأمل، أحياناً ترى وجودها على وجه الأرض مشرقة كما هو حال أشعة الشمس، وأحياناً تدخل الأنفاق، تتعثر إلى أن تجد المخارج، تحيا استكانات، تملؤها بالإنجازات البسيطة أو المبهرة، ومن ثم تخوض حروباً طاحنة أو ثانوية، توقف كل شيء على رجل واحدة، وكأن بالثانية فقدت، تذهب لتبحث عنها من جديد، الإنسان أساس كل ذلك، نرى عزائمه لا تفتر من لحظة الولادة وحتى النهاية، خاطفة كانت أم قسرية، نراه يراوغ الحياة التي تحاول اصطياده من خلال المرض والفوضى والنجاح والفشل، فهو رؤوم رؤوف تارة، وعنيف محارب لا يتساهل أبداً، وهلوع جزع من صغائر الأمور، فضائله متوافرة تماماً إلى جانب شروره.

تعالوا ندعُ الصالحين والأقوياء إلى التوبة والتكفير عن عظيم ذنوبهم تجاه أنفسهم وما يعانونه، فينعكس ذلك على البسطاء، لن نذهب إلى الخطاة اللاهثين وراء صغائر الحياة، لأن ارتكاباتهم لا تنم عن وعي ما ارتكبوه، لنوجه سهام الفكر المذهبة إلى صدور الرياء والخداع والمكر، لنشرع جميعاً ولننظر كمدافعين واقعيين عن الإنسانية، ونسأل عن معنى وجود منظمة الأمم المتحدة وتفرعاتها.

لمن تنقل الدول أكياس الجزية، وتسلك طرق الولاء حاملة فروض الطاعة كي لا تطولها الأذية؟ أين يجد الإنسان صروح السلام؟ كيف يتم دمل جراح الشعوب التي تناهض لغة السيطرة والتبعية؟ من يعنى بآلام الشعوب المستضعفة، وكيف نغض الطرف عن الخراب والتدمير اللذين يرافقان كل هذا التحضر؟ هل الحضارة تحمل معها لغة الهيمنة والتوسع؟ إذاً ما المطلوب؟ إبداع نظام متطور لمحاسبة الحضارات أو الأمم أو الدول الدائمة العضوية، وهذا لا يغدو ضرورياً فقط، وإنما العالم برمته أصبح بحاجة ماسة إليه.

ما معنى تفاوض عالم الشمال الثري مع عالم الجنوب؟ أسأل: مسؤولية من إدارة هذا التفاوض؟ أليس العالم برمّته في حالة اضطراب سياسي نتاج الوصول إلى حواف الهاوية الاقتصادية؟ ألا يواجه الجميع الحي على هذا الكوكب تحديات مذهلة في النفط والغاز والقمح والماء وتلوث الهواء، وبحثه المستمر من أجل الوصول إلى الوئام الروحي؟ فهل وصل عبر الصلوات والأدعية أو الحضور في المعابد على اختلاف معتقداتها، التي تشكل له أي للإنسان حالة مهادنة مع ذاته، كي يخرج من اضطرابه المستمر نتاج صراعه على الأشياء المادية إذاً؟

هل تصدقون حدوث وئام دولي وكل هذا التباين حاصل بين عالمي الشمال والجنوب؟ من يحق الحق؟ من ينصف الأمم والدول؟ العقل العلمي الذي يحول النظرية إلى نتيجة محسوسة، أم العقل الديني الذي يريد الحقيقة غيبية من دون أن يصل إليها؟ أم العقل الجامع المؤمن بينهما بالحق الذي تحدث عنه الإنجيل المقدس في يوحنا 47:6 الذي فيه يقول: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: «مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ»، ليتحدث بعده المقدس المكنون في سورة البقرة: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) وبذلك اشتركا في منظومة الحق حق، بينما ذكر الأول الحقيقة في عهديه القديم والجديد، ولم يذكرها الثاني، والحق بَيّن يعني أن الموت حق، وحقوق الإنسان على الإنسان، بينما الحقيقة هي الحياة التي تدعو الإنسان للبحث عنها وفيها.

ما الفرق بين الحق والحقيقة؟ من الذي يشير إلى الحق ومن يتبنى الحقيقة القادمة؟ من أين؟ لا أحد يدري رغم البحث المتواصل عنها علمياً وروحياً، إنما بتراكمها التاريخي، تحولت إلى حقائق آمنت الناس بها، وحولتها إلى ثوابت من دون قيامها بأي بحث عن ماهيتها، كما هو حال القانون والشرع، لأن الشرع إن لم يخضع القانون له اعتبره غير شرعي، أي إنه نسبه إليه.

لنتأمل عالم الشمال الذي يؤمن بالروحي، لكنه جيّره لخدمته، وكتب على عملته الوهمية: نحن نثق بك أي بالله، وهذه الورقة النقدية الدولار التي أطلق عليها الرئيس الأمريكي نيكسون الكذبة الكبرى، بعد أن طرح قديماً شعار: كل من يقدم 35 دولاراً يحصل على أونصة ذهب من أجل ترويجه، أي إن رصيد الدولار ذهب، والدول والأفراد في بدايتها أخذت تجمع من الدولار، وبعدها تحدث نيكسون في بداية سبعينيات القرن الماضي متعجرفاً بأن رصيدنا اقتصادنا المتنوع القوي وقواتنا العسكرية وقدراتنا العلمية، ويسأل العالم ومعه نحن: هل أمريكا حقيقة أم إنها وهمُ بريقٍ وخداعٍ بصريٍّ تغري الشعوب لتهيمن عليها؟ هل نعبث عندما ندخل إلى فرد مفاهيم ومصطلحات، وتظهرنا كمن يسير عكس التيار؟ هل تغيرت التركيبة العالمية؟ برأيكم من ذاك الموغل في القدم وحتى اللحظة؟ الضبابية مستمرة تتراوح بين الشدة والانفراج قليلاً، ثم تعود كما هي عليه الأزمات متوالية اقتصادياً اجتماعياً، تتبعها حروب تتشابك المعطيات ويطفو تعقيد المؤشرات إلى السطح، تظهر تحذيرات المتحكمين بالاقتصاد العالمي، تداعي السياسة ينشئ الخلاف، تظهر أمريكا فوق الجميع تصرخ: أمريكا أولاً!

لولا الوئام لهلكت الأنام، وأهم وئام ذاك الذي يحدث بين المرء وذاته، الذي يعني المصالحة والموافقة على الاتفاق مع الآخر، ولولا الخصام لما تطور شيء، ولما اكتشفت أي شيء، وبدقة أكبر إنه الفهم المتوازن لطبيعة العلاقات ومقتضياتها التي تدعونا للاستمرار من خلال التمتع بالموضوعية والواقعية والتسامح والوضوح إلى حدٍّ ما، والتكيف مع الظروف، ومنه نرى أن عنواننا الواسع يؤكد أن لا حقيقة للوئام الدولي، لأن الدول منفردة تحاول جاهدة الوصول إلى الوئام بينها وبين مجتمعاتها مستخدمة كل ما لديها من أفكار روحية وأخلاقية وحتى اقتصادية، وتمارس سياسات مع شعوبها  ناعمة تارة وأحياناً صلبة قاسية عبر أدواتها الأمنية والعسكرية، وهنا لا نفرق ونحن نبحث عن الوئام بين المجتمعات، أكانت في الشمال أم الجنوب، شرقاً أم غرباً، فالطبع البشري وجد متنافراً، وإن حدث وانجذب بعضه لبعضه الآخر فيكون لحين، وهنا تتضح لنا معاني الحرب الباردة التي يتم العمل بشكل دؤوب لتسخينها، وسرعان ما تشتعل نتاج تضارب المصالح.

العالم منقسم منذ ولادة الآلهة التاريخية إلى قسمين، مادي ولا مادي، وحتى إدراك العقل بعد اكتمال تصوره عن الإله الواحد الذي قسم البشر إلى خير وشر، صالحين ومفسدين، نخبة ورعاع، شمال وجنوب، يمين ويسار، أحزان وأفراح، عقل وجنون، صلاة ومجون، خيال ونفور، من يحدث الصلة بين الشطرين، ليبدو لنا أن هذا العالم واقعي بامتياز، فهو مزيج من نوازع سكنته بحكم وجوده في الطبيعة التي منحته كل تبايناتها.

هل هناك نظام عالمي؟ يقول العارفون: نعم، ولكن لا أحد يعرف عنوانه سوى من يريده ويستثمر في نفوذه، ويستخدم سلطاته السياسية والاقتصادية والعسكرية.

من يكسر طموحات الشعوب ويحجّم تطلعاتها؟ من يقوّض الثقة بين العوالم البشرية؟ أين يختفي صانعو السياسات العالمية؟ في الغرب أم في الشرق؟ من يدعم ماهيتهم؟ وكأن بهم غير جنس البشر، مؤكد أنهم موجودون على هذا الكوكب، وأكثر من ذلك هناك من يمثل كل دولة في هذا النظام.

من هنا أختم: إن كل ما نسمعه من شعارات ومصطلحات سلام دولي وأمن دولي ووئام دولي ماهي إلا خدع بصرية، امتلكت غاية واحدة، تكمن في السيطرة على عالم الجنوب ومقدراته وإبقائه في حالة لهاث وراء التطور، وراء البحث عن التنمية، مؤقته كانت أم مستدامة.



عدد المشاهدات: 5446

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى