مجلس الشعب السوري
اسم المستخدم
كلمة المرور
نسيت كلمة المرور
تسجيل جديد
 الرئيسية 

عضو مجلس الشعب جويدة ثلجة تكتب : أين أنتِ؟

الأحد, 4 شباط, 2024


كانت وكنت في إحدى وسائل النقل العامة في الطريق من محافظة إلى محافظة أخرى، كان الطريق طويلاً، وبالإمكان استثماره بالقراءة، بدأت فيه بكتاب (فلسفة التكوين الفكري) الجزء الثاني للباحث الدكتور نبيل طعمة، امرأة أربعينية قاطعت خلوتي مع ما أقرأ، كانت ملامحها تبدو وكأنها تجاوزت عمرها الافتراضي، فبدت أكبر بكثير من ذلك، يبدو أن الزمن سبقها بعد أن أثر في شكلها فبدت أكبر من عمرها، وبدت تعابيرها مثقلة بالتعب والإجهاد والهموم، كانت تسترق النظر إلي  للاطلاع على ما أقرأ، مقاطعة صمت لساني وضجيج أفكاري: هل أنتِ طالبة تدرسين؟

أجبتها مبتسمة بعد أن شعرت أنها تقرأ ما كنت أقرأه، أو ربما قرأتْ جزءاً مما أقرأ، فأجبتها قائلة: لست طالبة  في مدرسة أوفي جامعة، أنا طالبة علم وفكر، أقرأ أي كتاب أجده هاماً يتضمن فكراً متنوراً، وهذا ما أقرأه الآن، إذا أردت أن تقتنيه فهاكِ عنوانه، سجليه.

قالت لي: أعجبتني تلك العبارة، بعد أن أومأت بإصبعها إليها، عبارة جميلة لفتت انتباهي وهي "ليست الشجاعة أن تمتلك قوة السيطرة؛ بل الشجاعة أن تسيطر على القوة وتمتلك معرفة إدارتها" وهنا كررت قولي لها : إن أردت الاستزادة يمكنك أن تقتنيه، تنهدت تنهيدة عميقة صمتت بعدها لثوانٍ، وما أن عاودتُ القراءة في الكتاب مرة أخرى حتى عادت وقاطعتني مرة أخرى متحدثة عن مشاغلها اليومية وعملها في تربية الأولاد والواجبات الاجتماعية والأسرية الملقاة على عاتقها، والسعي وراء النقود من خلال الدروس الخصوصية لتحسين وضعها المعيشي الصعب، وهنا استنتجت بأنها مدرسة، وأنها اليوم ولأول مرة تخرج لوحدها منذ حوالي 12 عاماً دون أن تكون برفقة أبنائها أو زوجها، لتمضي يومين وحيدة، هاربة من المشاغل التي أثقلت كاهلها، وكأنها تريد أن تقول لي أنه ليس لديها أي وقت يمكن أن تخصصه للقراءة، فكيف أطلب منها أن تقتني الكتاب، سألتها بعد ذلك: إذاً أين أنتِ الآن؟  عادت مرددة كلماتي: صحيح أين أنا؟ نعم أريد أن أسأل الآن: أين أنتِ وأين أنا من العمل والمنزل والأولاد والواجبات؟ أجبتها: على كل أنثى أن تطرح مثل هذا السؤال على نفسها، أين أنتِ؟ ماذا أنجزتِ لنفسكِ؟ ماذا قدمتِ؟ ما هو محلك من الإعراب في هذه الحياة ؟ هل أنت منكسرة فيها، وإن كنت كذلك فهل هناك من يقوم بلملمة أشلائك، أم أنك أنت من تلملمين أشلاءك وأجزاءك ثم تعيدين ترميمها، الواحدة تلوى الأخرى، وتعيدين تلوينها وتجميلها مرة أخرى لإخفاء تلك الندوب التي قد تظهر أمامك، وكأن شيئاً  لم يكن، لتعودين أقوى بعد التئامها؟

أم أنت مرفوعة؟ هناك من رفع مشاركتك أم أنتِ رفعةُ نفسك ورفعة روحك ولم تحتاجي أحد ليرفعك بل هناك من يحتاجك لتساعديه في رفعة شأنه.

أم انت مضمومة؟ هناك من ضمك واحتضنك أم انت حنونة على نفسك وضمميتها بذراعك وأخذتيها إلى مكان رفعتها وترفعت معها ورفعتك عن كل ماديات الأرض.

من أنتِ اليوم؟ هل استكنت لقساوة الظروف والمجتمع والعادات والتقاليد وقلت نعم لهم جميعاً وجلست في المنزل كأي قطعة أثاث لا تتحرك إلا برغبة من يحركها أم قارعت الظروف وحاربتيها لتكوني إنسان كما ولدت وليس مجردة من إنسانيتك كقطعة الأثاث التي تستهلك وتهتلك مع مرور الزمن.

لما لا تكوني أنت كما انوجدت إنساناً بروحاً خلقت لأن تكوني أنتِ وليس أن تسألي عن نفسك أين أنتِ؟

بل كوني أنت كما أنت يا أنت فأنت التي كونتي الحياة فأنت التي يحيا الجميع بك فانت الأم والأخت والزوجة فأنت المجتمع وبك يتطور إن كنت كذلك أنتِ.

جويدة ثلجة

 



عدد المشاهدات: 355

طباعة  طباعة من دون صور


رزنامة نشاطات المجلس
للأعلى